الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            باب غسل النجاسة ) عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وزاد مسلم في رواية له فليرقه وقال ابن منده : تفرد علي بن مسهر وذكر الإسماعيلي وابن منده وابن عبد البر ، أن مالكا تفرد بقوله : شرب ، وأن غيره كلهم يقول ولغ ، وليس كما ذكروا فقد تابعه على لفظه ورقاء ومغيرة بن عبد الرحمن .

                                                            التالي السابق


                                                            (باب غسل النجاسة) عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات فيه فوائد :

                                                            (الأولى) أخرج هذا الحديث الأئمة الستة فأخرجوه خلا الترمذي من طريق مالك هكذا إلا أنه ليس في رواية اللؤلؤي وابن داسة وابن الأعرابي عن أبي داود ، وإنما هو في رواية أبي الحسن بن العبد عنه وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأخرجه الترمذي من رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة .

                                                            وكذا رواه مسلم من رواية أبي صالح وأبي رزين وهمام عن أبي هريرة كما سيأتي في الحديث بعده ورواه النسائي من رواية ثابت بن عياض الأحنف وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة .

                                                            وأخرجه ابن ماجه [ ص: 120 ] أيضا من رواية أبي رزين عنه .

                                                            (الثانية) قال ابن عبد البر في التمهيد : هكذا يقول مالك في هذا الحديث إذا شرب الكلب وغيره من رواية حديث أبي هريرة هذا ، بهذا الإسناد وبغيره على تواتر طرقه وكثرتها عن أبي هريرة وغيره كلهم يقول : إذا ولغ الكلب ولا يقولون شرب الكلب ، وهو الذي يعرفه أهل اللغة انتهى . وسبقه إلى ذلك الحافظان أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده فقالا : إن مالكا تفرد بقوله شرب وليس كما ذكروا فقد تابع مالكا على قوله شرب مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي وورقاء بن عمر كما بينه ابن دقيق العيد في الإمام على بعض الرواة عن مالك رواه عنه بلفظ ولغ كما رواه غيره ورواه ابن ماجه من رواية روح بن عبادة عن مالك هكذا في بعض نسخ ابن ماجه وفي بعضها شرب .

                                                            وذكر أبو العباس أحمد بن طاهر الداني في أطراف الموطإ أن أبا علي الحنفي رواه عن مالك بلفظ ولغ ، والمعروف عن مالك شرب كما اتفق عليه رواة الموطإ .

                                                            (الثالثة) فيه حجة للجمهور في أن حكم سائر الكلاب في الغسل من ولوغها سواء ، وأنه لا فرق بين الكلب المأذون في اتخاذه وبين غيره ولا بين الكلب وغير الكلب وفي قول لمالك التفرقة بين المأذون فيه فسؤره طاهر وبين ما لم يؤذن في اتخاذه فسؤره نجس وذهب ابن الماجشون من المالكية إلى التفرقة في ذلك بين البدوي ، والحضري قال ابن عبد البر فيه على أن الكلب الذي أبيح اتخاذه هو المأمور فيه بغسل الإناء من ولوغه سبعا قال : وهذا يشهد له المعقول والنظر ؛ لأن ما لم يبح اتخاذه وأمر بقتله محال أن يتعبد فيه بشيء ؛ لأن ما أمر الله بقتله فهو معدوم لا موجود ، وما أبيح لنا اتخاذه للصيد ، والماشية أمرنا بغسل الإناء من ولوغه .



                                                            (الرابعة) استدل بقوله في إناء أحدكم على أنه إنما يغسل من ولوغ الكلب إذا كان ولوغه في إناء أما إذا ولغ في ماء مستنقع ، فإنه لا يغسل منه ولا ينجسه ، وإن كان الماء قليلا حكاه الطحاوي عن الأوزاعي ، وهو قول شاذ ، فإن ذلك لم يخرج مخرج القيد ، وإنما خرج مخرج الغالب كون الغالب وضع مياههم وأطعمتهم في الآنية والله أعلم .



                                                            (الخامسة) استدل بالأمر بالغسل من ولوغ الكلب على نجاسة سؤره ولعابه ، وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والليث بن سعد [ ص: 121 ] والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور ومحمد بن جرير الطبري وأكثر أهل الظاهر وذهب مالك وداود إلى طهارته قال ابن عبد البر : جملة ما ذهب إليه مالك واستقر عليه مذهبه عند أصحابه أن سؤر الكلب طاهر ويغسل الإناء من ولوغه سبعا تعبدا واستحبابا أيضا لا إيجابا قال : ولا بأس عنده بأكل ما ولغ فيه الكلب من اللبن ، والسمن وغير ذلك ويستحب أن يهريق ما ولغ فيه من الماء .

                                                            وقال في هذا الحديث : ما أدري ما حقيقته ؟ وضعفه مرارا فيما ذكره ابن القاسم عنه وروى ابن القاسم عنه أنه لا يغسل الإناء من ولوغ الكلب إلا في الماء وحده وروى ابن وهب أنه يغسل من الماء وغيره ويؤكل الطعام ويغسل الإناء بعد تعبد أو لا يراق شيء من الطعام وإنما ليهراق الماء عند وجوده ليسارة مؤنته .

                                                            وقال داود : سؤره طاهر وغسل الإناء منه سبعا فرض ويتوضأ بالماء ويؤكل الطعام ، والشراب الذي ولغ فيه ، ويرد قول مالك وداود ما ثبت في صحيح مسلم من الأمر بإراقته رواه من رواية علي بن مسهر أخبرنا الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ، ثم ليغسله سبع مرات قال النسائي : لا أعلم أحدا تابع علي بن مسهر على قوله فليرقه .

                                                            وكذا قال أبو عبد الله بن منده أن علي بن مسهر تفرد بالأمر بالإراقة فيه ، وقال ابن عبد البر لم يذكره أصحاب الأعمش الثقات الحفاظ مثل شعبة وغيره . وكذا قال حمزة بن محمد الكناني لم يروها غير علي بن مسهر قال : وهذه الزيادة في قوله : فليرقه غير محفوظة قلت : وهذا غير قادح فيه ، فإن زيادة الثقة مقبولة عند أكثر العلماء من الفقهاء ، والأصوليين والمحدثين ، وعلي بن مسهر قد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، والعجلي وغيرهم ، وهو [ ص: 122 ] أحد الحفاظ الذين احتج بهم الشيخان ، وما علمت أحدا تكلم فيه فلا يضره تفرده به ، وكذلك ما حكاه ابن القاسم عن مالك من كونه ضعف أصل الحديث فما أدري ما وجه ضعفه ، وقد أنكر مالك رحمه الله على أهل العراق ردهم لحديث المصراة ، وهو بهذا الإسناد من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فروى ابن وهب عن مالك أنه قال وهل في هذا الإسناد لأحد مقال ؟ وصدق رحمه الله .

                                                            وقد قال البخاري إن هذا الإسناد أصح أسانيد أبي هريرة كما تقدم في شرح خطبة الكتاب قال ابن دقيق العيد : والحمل على التنجيس أولى ؛ لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدا وبين كونه معقول المعنى فالمعقول المعنى أولى لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى .



                                                            (السادسة) استدل بعض الظاهرية بقوله : إذا ولغ أو إذا شرب على أن هذا الحكم لا يتعدى الولوغ ، والشرب ؛ لأن مفهوم الشرط حجة عند الأكثرين ومفهومه أن الحكم ليس كذلك عند عدم الشرط ، وهو الولوغ فذهب قائل هذا إلى أنه لو وقع لعابه في الإناء من غير أن يلغ فيه أنه لا يغسل الإناء منه ولا ينجس ما فيه ، وكذلك لو وقع في الماء غير فمه من أعضائه كيده أو رجله لا ينجس ، وكذا لو بال في الإناء أو تغوط فيه لا يجب غسله سبعا .

                                                            وإنما يغسل مرة كسائر النجاسات لتقييد الأمر بالولوغ أو الشرب ، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي في غير لعابه أنه إنما يغسل منه مرة ، وإن كان بولا أو عذرة أو دما حكاه الرافعي وقال النووي في الروضة : إنه شاذ ولكنه عبر عن اللعاب بالولوغ فاقتضى أن تناثر لعابه يكفي فيه الغسل مرة عند صاحب هذا الوجه وليس كذلك ، وقد رجحه النووي في شرح المهذب بقوله : إنه متجه قوي من حيث الدليل ؛ لأن الأمر بالغسل سبعا من الولوغ إنما كان لتنفيرهم عن مؤاكلة الكلاب انتهى .

                                                            والمذهب الصحيح الذي نص عليه الشافعي وجزم به عامة أصحابه وجوب التسبيع في سائر أجزاء الكلب ، وأنه إنما نص على الولوغ لكونه الغالب فيما تصيبه الكلاب من الأواني ، فإنها إنما تقصد الأكل ، والشرب من الأواني فخرج بذلك مخرج الغالب لا مخرج الشرط قال الشافعي رضي الله عنه : وجميع أعضاء الكلب يده أو ذنبه أو رجله أو عضو من أعضائه إذا وقع في [ ص: 123 ] الإناء غسل سبع مرات بعد هراقة ما فيه قال وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهرة ليست تنجس دليل على أن في الحيوان من البهائم ما هو نجس ، وهو حي ، وما ينجس بولوغه قال ولا أعلمه إلا الكلب المنصوص عليه .

                                                            ثم ذكر الخنزير هكذا حكاه ابن عبد البر في التمهيد عن الشافعي وفي الاستدلال به على نجاسة الكلب نظر ؛ لأنه مفهوم لقب وليس بحجة عند الجمهور فلا يلزم من كون الهرة ليست بنجسة أن يكون غيرها نجسا وقول الرافعي : إن وجه الاستدلال من هذا الحديث على نجاسة الكلب مشهور أشار بذلك إلى زيادة ذكرها بعض أصحابنا الفقهاء في تصانيفهم ، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي دار قوم من الأنصار ودونهم دار فشق ذلك عليهم فقالوا : يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن في داركم كلبا قالوا ، فإن في دارهم سنورا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنها ليست بنجس . فلو ثبتت هذه الزيادة هكذا كان وجه الاستدلال منه مشهورا إلا أنه لا يعرف أصلا في شيء من كتب الحديث هكذا ، وقد رواه بهذه الزيادة الإمام أحمد في مسنده والدارقطني في سننه ، والحاكم في المستدرك من رواية عيسى بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة إلا أنهما لم يقولا فيه : إنها ليست بنجس ، وإنما قالا فقال النبي صلى الله عليه وسلم السنور سبع وقال الدارقطني بعد تخريجه : عيسى بن المسيب صالح الحديث وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وعيسى بن المسيب ينفرد عن أبي زرعة إلا أنه صدوق ولم يجرح قط (قلت) : بلى جرحه ابن معين وأبو داود ، والنسائي وابن حبان ، والدارقطني في غير هذا الموضع .

                                                            وليس في هذا اللفظ ما يقتضي نجاسة الكلب ، وإنما فيه اجتناب دخول الدار التي فيها كلب ، وفيه أن الكلب ليس بسبع ، وكأنه إنما ذكر ذلك لكونهم كانوا قد علموا طهارة سؤر السباع فبين لهم أن الهرة سبع ليعلموا طهارة فمها بخلاف الكلب ، فإنه ليس بسبع والله أعلم .



                                                            (السابعة) فيه حجة على أبي حنيفة في اكتفائه في الغسل من ولوغ الكلب بثلاث مرات واعتذر أصحابه عن الحديث بما رواه الطحاوي والدارقطني موقوفا على أبي هريرة أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات وأبو هريرة هو الراوي للغسل من الولوغ سبعا فالعبرة عندهم بما رأى لا بما روى [ ص: 124 ] تحسينا للظن به عن مخالفة النص فعمله بخلاف ما رواه دال عندهم على النسخ وخالفهم الجمهور من الفقهاء ، والأصوليين فقالوا : العبرة بما روي إذ لا حجة في الموقوف مع صحة المرفوع ولا يقدح ذلك فيه ، لاحتمال أن يكون نسي ما روى فأفتى بخلافه ولا يثبت النسخ بمجرد الاحتمال .

                                                            وحكي عن أبي حنيفة أيضا والثوري والليث بن سعد أنه يغسل بلا حد واحتجوا بقوله في بعض طرق حديث أبي هريرة مرفوعا في الكلب يلغ في الإناء يغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا قالوا : فلو كان التسبيع واجبا لم يخير بينها وبين الخمس ، والثلاث ، والحديث ضعيف ؛ لأنه من رواية عبد الوهاب بن الضحاك أحد الضعفاء عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة عند الجمهور .

                                                            وأجاب بعض الحنفية عن الحديث بأنه محمول على حالة الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ ذلك ، وهو مردود ، فإن النسخ لا يثبت بالحدس ، والرأي بل ظاهر سياق حديث عبد الله بن مغفل عند مسلم أمره بالتسبيع من ولوغها بعد النهي عن قتلها ، فإنه قال فيه : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ؟ ثم رخص في كلب الصيد ، والغنم وقال : إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب وأجاب بعضهم بأن الأمر بالتسبيع محمول على الاستحباب وهو ضعيف أيضا إذ الأمر حقيقة في الوجوب حتى يصرف عن الوجوب صارف وذهب أكثر أهل العلم من الصحابة ، والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء كما حكاه ابن عبد البر إلى وجوب التسبيع من ولوغ الكلب قال : وممن روى ذلك عنه بالطرق الصحاح أبو هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو بن دينار وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود ، والطبري .



                                                            (الثامنة) احتج به لأبي حنيفة ومالك في أنه لا يجب التتريب في الغسل من الولوغ إذ لم يذكره مالك في روايته لهذا الحديث وليس فيه حجة فقد حفظه غيره من الثقات وليس من لم يحفظ حجة على من حفظ وستأتي المسألة في الحديث الذي يليه إن شاء الله تعالى .

                                                            (التاسعة) اختلف العلماء في تسبيع نجاسة الكلب هل هو تعبد أو [ ص: 125 ] معقول المعنى ؟ فحكى ابن عبد البر في التمهيد عمن ذهب إلى نجاسة الكلب أن العدد في الغسلات تعبد وفي كلام ابن دقيق العيد ما يدل على أنه تعبد وأن أصل الغسل معقول المعنى ، وهو النجاسة قال : وإذا كان أصل المعنى معقولا قلنا به ، وإذا وقع في التفاصيل ما لا يعقل معناه في التفصيل لم ينقض لأجله التأصيل ولذلك نظائر في الشريعة قال : ولو لم تظهر زيادة التغليظ في النجاسة لكنا نقتصر في التعبد على العدد ونكتفي في أصل المعنى على معقولية المعنى انتهى .

                                                            وكذا قال النووي في شرح المهذب إنه تعبد كما سيأتي نقل كلامه بعد هذا في الفائدة الثانية عشر من هذا الحديث .

                                                            وأما من لم ير نجاسة الكلب ، فإن بعضهم تكلف وحمل هذا العدد على المعنى الطبي ، وأن العلة فيه ما يخاف من كون الكلب كلبا وذكر أن هذا العدد ، وهو السبع قد جاء في مواضع من الشرع على جهة الطب ، والتداوي كما قال من تصبح كل يوم بسبع تمرات من عجوة المدينة لم يضره في ذلك اليوم سم وكقوله صلى الله عليه وسلم في مرضه هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن ونحو هذا .

                                                            وقد عزاه صاحب المفهم وغيره إلى أبي الوليد بن رشد من المالكية ، وفي هذا من التعسف ، والرجم بالظن ما لا يخفى ، وقد رد هذا على قائله بجواب طبي أيضا ، وهو أن الكلب الكلب لا يقرب الماء كما هو منصوص عليه في كتب الطب والله أعلم .

                                                            وأجاب حفيده عن هذا أن امتناعه من الماء إنما هو في حالة تمكن الداء منه فأما في مبادئه فيقرب الماء وجعل بعضهم العلة في التسبيع كونه نهيا عن اتخاذه ولا معنى له وأي معنى مناسب بين كونه سبعا أو ثلاثا ؟ نعم يحتمل أن يكون النهي عن اقتنائه مقتضيا لزيادة العدد للتنفير عنه أما كونه سبعا فلا يظهر له وجه مناسبة .



                                                            (العاشرة) استدل به على أنه يجب الغسل من ولوغ الكلب على الفور ؛ لأن الأمر يقتضي الفورية عند أكثر الفقهاء ، وهو المختار وينبغي أن يجري فيه الخلاف الذي حكاه الماوردي في وجوب إراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب على الفور ، والأكثرون على أن الفورية مستحبة ، فإن أراد استعمال الإناء وجبت الإراقة .



                                                            (الحادية عشر) هل تتعدد الغسلات الواجبة في ولوغ الكلب بتعدد الولغات من كلب واحد أو كلبين فأكثر ؟ فيه خلاف بين أصحابنا ، والأصح أنه يكفي للجميع سبع وقيل [ ص: 126 ] يجب لكل ولغة سبع وقيل يكفي السبع في ولغات الكلب الواحد وتتعدد بتعدد الكلاب والله أعلم ، وكذلك لو تنجس بنجاسة أجنبية غير الكلب لم تجب الزيادة على السبع بل يندرج الأصغر في الأكبر كالحدث على الصحيح وادعى النووي وابن الرفعة نفي الخلاف فيه وليس بجيد ففيه وجه حكاه الرافعي في الشرح الصغير أنه يجب غسله للنجاسة الأجنبية أيضا والله أعلم .



                                                            (الثانية عشر) من جعل العلة في التسبيع من ولوغ الكلب كونه منهيا عن اتخاذه واقتنائه كما تقدم حكايته عن بعضهم عدى حكم الكلب إلى الخنزير ؛ لأنه منهي عن اقتنائه مطلقا بخلاف بعض الكلاب المتخذة للصيد ، والزرع فهو إذا أسوأ حالا من الكلب في ذلك ، وهذا قول الشافعي الجديد أنه يجب الغسل منه سبعا كالكلب وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يجب التسبيع من نجاسة الخنزير ويقتصر في التسبيع على مورد النص ، وهو قول قديم للشافعي قال النووي في شرح مسلم ، وهو قوي في الدليل .

                                                            وكذا قال في شرح المهذب : إنه الراجح من حيث الدليل قال : وهذا هو المختار ؛ لأن الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع لا سيما في هذه المسألة المبنية على التعبد وذكر نحوه في شرح الوسيط بل ذهب كثير من العلماء إلى طهارة الخنزير ومن ادعى من أصحابنا الإجماع على نجاسته فقد أخطأ لوجود الخلاف فيه والله أعلم .



                                                            (الثالثة عشر) محل الأمر بغسل الإناء سبعا من نجاسة الكلب ، وكذلك محل الأمر بالإراقة هو ما إذا كان ما في الإناء مائعا أما إذا كان جامدا ، فإن الواجب حينئذ إلقاء ما أصاب الكلب بفمه ولا يجب غسل الإناء حينئذ إلا إذا أصابه فم الكلب مع وجود الرطوبة فيجب غسل ما أصابه فقط سبعا كالفأرة تقع في السمن سواء ولقائل أن يقول : ليست هذه الصورة داخلة في الحديث ؛ لأنه إذا كان ما فيه جامدا لا يسمى أخذ الكلب منه شربا ولا ولوغا بل هو أكمل ، وإنما الولوغ الأخذ بطرف اللسان كما سيأتي في الحديث الذي يليه والله أعلم




                                                            الخدمات العلمية