الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع الشمس قال تعدل بين اثنين صدقة وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة وقال الكلمة الطيبة صدقة وقال كل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الثاني عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع الشمس قال تعدل بين اثنين صدقة وتعين الرجل في دابته [ ص: 302 ] تحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة وقال : الكلمة الطيبة صدقة وقال كل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة .

                                                            فيه فوائد :

                                                            (الأولى) السلامى بضم السين المهملة وفتح الميم مقصور وهو جمع سلامية وقيل : واحده وجمعه سواء ويجمع على سلاميات واختلف في معناها فقيل : السلامية الأنملة من أنامل الأصابع وقيل السلامى كل عظم مجوف من صغار العظام وقال أبو عبيد هو عظم يكون في فرسن البعير .

                                                            (قلت) والصواب أن السلامى هي المفاصل وأنها ثلاثمائة وستون مفصلا كما ثبت ذلك مبينا في صحيح مسلم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار وفي رواية له يمسي فبين في حديث عائشة هذا أن السلامى هي المفاصل .

                                                            (الثانية) معنى هذا الحديث أن كل عظم أو مفصل من ابن آدم عليه صدقة وإذا كان كذلك فظاهر التعبير بقوله عليه أن ذلك من الواجبات ؛ لأن السنن لا توصف بأنها على المكلف والجواب أن هذا قد يطلق في الفعل المتأكد وإن لم يكن واجبا كقوله للمسلم على المسلم ست خصال يسلم عليه إذا لقيه الحديث .

                                                            ومعلوم أن البداءة بالسلام سنة وإنما لم يجعل مجموع هذه الخصال واجبة وإن كان بعضها من فروض الكفايات لما ورد في صحيح مسلم أيضا من حديث أبي ذر يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة فذكر الحديث وقال في آخرة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ومعلوم أن النوافل لا تجزي عن الواجبات مع الاتفاق على عدم وجوب صلاة الضحى على عموم الناس والله أعلم .

                                                            على أنه يمكن أن تؤول هذه الأفعال المذكورة في الباب على الوجوب [ ص: 303 ] كما سيأتي .

                                                            (الثالثة) فيه أن العبادة والنوافل يداوم عليها كل يوم وأن العبادة إذا وقعت في يوم لا تغني عن يوم آخر فلا يقول مثلا قد فعلت أمس فأجزأ عني اليوم لقوله كل يوم تطلع الشمس .



                                                            (الرابعة) قوله تعدل بين اثنين يحتمل أن يراد به العدل في الأحكام من القضاة والأمراء ويحتمل أن يراد به الإصلاح بين الناس وإن كان من غير من له ولاية على ذلك ولا تسليط وهو الظاهر ؛ لأن عدل القضاة والأمراء واجب لا تطوع وقد أدخله البخاري في صحيحه في باب الإصلاح بين الناس وإن أريد حمله على الواجب حقيقة فيحمل على عدل الحكام .



                                                            (الخامسة) قوله وتعين الرجل في دابته تحمله عليها هو أن تركب العاجز عن الركوب على دابته وهكذا أن تحمل معه على دابته متاعه وبوب عليه البخاري باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر ويمكن أن يجعل على الوجوب فيء المكاري فإنه يجب عليه إركاب الشيخ لعجزه عن الركوب وحده ويجب عليه إبراك الجمل للمرأة لعجزها أو المشقة عليها في ركوب البعير قائما والله أعلم .



                                                            (السادسة) الكلمة الطيبة يحتمل أن يراد بها المخاطبة للناس كأن يجيب السائل بكلمة طيبة من غير إفحاش ونحو ذلك ، وهو الظاهر كما قال في حديث آخر تبسمك في وجه أخيك صدقة وفي حديث آخر ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه ويحتمل أن يراد بها الكلمة من الأذكار كالتهليل والتسبيح والتحميد كما هو مصرح به في حديث عائشة المتقدم ذكره من عند مسلم في ذكر السلامى فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله الحديث وهو أحد الأقوال في قوله تعالى ضرب الله مثلا كلمة طيبة أن المراد لا إله إلا الله ، وكذا قيل في قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب .



                                                            (السابعة) في قوله كل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ما يقتضي أن ثواب الخطا إنما هو الذهاب إلى المسجد دون الرجوع وهو محتمل لكن قد ورد التصريح في مسند أحمد بقوله ذاهبا وراجعا وقد تقدم في آخر الحديث الذي قبله وإن حملناه على الوجوب فيمكن أن يحمل على السعي الواجب كالسعي للجمعة إلا أنه يرده قوله كل يوم تطلع الشمس فإنما يجب السعي مرة في الجمعة نعم يحمل على قول من أوجب الجماعة في كل صلاة والله أعلم .

                                                            (الثامنة) الألف واللام في الصلاة هل هي للعهد أو [ ص: 304 ] للجنس ، الظاهر الأول فيكون المراد منه الصلوات المكتوبة وإن أريد الجنس فيدخل فيه كل صلاة يشرع المشي إليها كالعيد والجنازة أيضا وهو بعيد والله أعلم .



                                                            (التاسعة) المراد بإماطة الأذى عن الطريق إزالة ما يؤذي المارة من حجر أو شوك ، وكذا قطع الأحجار من الأماكن الوعرة كما يفعل في طريق ، وكذا كنس الطريق من التراب الذي يتأذى به المار وردم ما فيه من حفرة أو وهدة وقطع شجرة تكون في الطريق وفي معناه توسيع الطرق التي تضيق على المارة وإقامة من يبيع أو يشتري في وسط الطرق العامة كمحل السعي بين الصفا والمروة ونحو ذلك فكله من باب إماطة الأذى عن الطريق ومن ذلك ما يرتفع إلى درجة الوجوب كالبئر التي في وسط الطريق التي يخشى أن يسقط فيها الأعمى والصغير والدابة فإنه يجب طمها أو التحويط عليها إن لم يضر ذلك بالمارة والله أعلم .

                                                            وزاد البخاري في هذا الحديث ودل الطريق صدقة وهو أن يدل من لا يعرف الطريق عليها




                                                            الخدمات العلمية