الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

244 . ومنه قلب سند لمتن نحو : امتحانهم إمام الفن      245 . في مائة لما أتى بغدادا
فردها ، وجود الإسنادا

التالي السابق


هذا هو القسم الثاني من قسمي المقلوب ، وهو أن يؤخذ إسناد متن ، فيجعل على متن آخر ، ومتن هذا فيجعل بإسناد آخر . وهذا قد يقصد به أيضا الإغراب; فيكون [ ص: 321 ] ذلك كالوضع ، وقد يفعل اختبارا لحفظ المحدث ، وهذا يفعله أهل الحديث كثيرا ، وفي جوازه نظر إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثا ، وإنما يقصد اختبار حفظ المحدث بذلك ، أو اختباره ، هل يقبل التلقين ، أم لا ؟ وممن فعل ذلك شعبة وحماد بن سلمة . وقد أنكر حرمي شعبة لما حدثه بهز أن شعبة قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش . فقال حرمي : يا بئس ما صنع ، وهذا يحل! . فمما فعله أهل الحديث للاختبار ، قصتهم مع البخاري ببغداد . أخبرني محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي ، قال : أخبرنا أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن علي الحراني ، قال : أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع ببغداد (ح) وأخبرني محمد بن إبراهيم بن محمد البناني بقراءتي ، واللفظ له ، قال : أخبرنا يوسف بن يعقوب الشيباني كتابة ، قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي قالا : أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا الخطيب ، قال : حدثني محمد بن أبي الحسن الساحلي ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسن الرازي ، قال: سمعت أبا أحمد بن عدي يقول : سمعت عدة مشايخ يحكون : أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد ، فسمع به أصحاب الحديث ، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها ، وأسانيدها ، وجعلوا متن هذا الإسناد ، لإسناد آخر ، وإسناد هذا المتن لمتن آخر . ودفعوا إلى عشرة أنفس ، إلى كل رجل عشرة أحاديث ، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري ، وأخذوا الموعد للمجلس ، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان ، وغيرهم ، ومن البغداديين .

فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة ، فسأله عن [ ص: 322 ] حديث من تلك الأحاديث ، فقال البخاري : لا أعرفه . فسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه . فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته ، والبخاري يقول : لا أعرفه . فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض . ويقولون : الرجل فهم ، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم ، ثم انتدب رجل آخر من العشرة ، وسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة ، فقال البخاري : لا أعرفه . فسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه . فسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه . فلم يزل يلقي عليه واحدا بعد آخر ، حتى فرغ من عشرته ، والبخاري يقول : لا أعرفه . ثم انتدب له الثالث والرابع إلى تمام العشرة ، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة ، والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه ، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم ، فقال : أما حديثك الأول فهو كذا ، وحديثك الثاني فهو كذا ، والثالث والرابع على الولاء ، حتى أتى على تمام العشرة ، فرد كل متن إلى إسناده ، وكل إسناد إلى متنه . وفعل بالآخرين مثل ذلك ، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها ، وأسانيدها إلى متونها ، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل .




الخدمات العلمية