الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

731 . واحفظه بالتدريج ثم ذاكر به والاتقان اصحبن وبادر      732 . إذا تأهلت إلى التأليف
تمهر وتذكر وهو في التصنيف      733 . طريقتان جمعه أبوابا
أو مسندا تفرده صحابا      734 . وجمعه معللا كما فعل
يعقوب أعلى رتبة وما كمل

التالي السابق


ليكن تحفظ الطالب للحديث على التدريج قليلا قليلا ، ولا يأخذ نفسه بما لا يطيقه . ففي الحديث الصحيح : "خذوا من الأعمال ما تطيقون" . وروينا عن الثوري قال : كنت آتي الأعمش ، ومنصورا ، فأسمع أربعة أحاديث أو خمسة ، ثم [ ص: 54 ] أنصرف كراهية أن تكثر ، وتفلت . وروينا نحو ذلك عن شعبة ، وابن علية ، ومعمر . وروينا عن الزهري قال : من طلب العلم جملة ، فاته جملة ، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان . وقال أيضا فيما رويناه عنه : إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة له غلبك ، ولكن خذه مع الأيام ، والليالي أخذا رفيقا ، تظفر به .

ومما يعين على دوام الحفظ المذاكرة . روينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : تذاكروا هذا الحديث ، إلا تفعلوا ، يدرس . وروينا عن ابن مسعود قال : تذاكروا الحديث ، فإن حياته مذاكرته . وروينا نحوه عن أبي سعيد الخدري ، وابن عباس . وروينا عن الخليل بن أحمد قال : ذاكر بعلمك ، تذكر ما عندك ، وتستفد ما ليس عندك . وروينا عن عبد الله بن المعتز ، قال : من أكثر مذاكرة العلماء ، لم ينس ما علم ، واستفاد ما لم يعلم . وليكن المحدث مصاحبا للإتقان ، فقد روينا عن عبد الرحمن بن مهدي قال : الحفظ الإتقان . وإذا تأهل المحدث للتأليف والتخريج ، [ ص: 55 ] واستعد لذلك ، فليبادر إليه . فقد قال الخطيب : قلما يتمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ، ويستبين الخفي من فوائده ; إلا من جمع متفرقه ، وألف متشتته ، وضم بعضه إلى بعض ، واشتغل بتصنيف أبوابه ، وترتيب أصنافه فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس ، ويثبت الحفظ ، ويذكي القلب ، ويشحذ الطبع ، ويبسط اللسان ، ويجيد البيان ، ويكشف المشتبه ، ويوضح الملتبس ، ويكسب أيضا جميل الذكر ، ويخلده إلى آخر الدهر ، كما قال الشاعر :


يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم والجهل يلحق أحياء بأموات



قال : وكان بعض شيوخنا يقول : من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ ، وليأخذ قلم التخريج . وروينا عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري ، قال : رأيت عبد الغني بن سعيد الحافظ في المنام ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، خرج وصنف قبل أن يحال بينك وبينه ، هذا أنا قد تراني قد حيل بيني وبين ذلك .

ثم إن للعلماء في تصنيف الحديث ، وجمعه ، طريقتين .

إحداهما : تصنيفه على الأبواب على أحكام الفقه وغيرها ، كالكتب الستة ، والموطأ ، وبقية المصنفات .

والثانية : تصنيفه على مسانيد الصحابة ، كل مسند على حدة ، كما تقدم [ ص: 56 ] .

وروينا عن الدارقطني ، قال : أول من صنف مسندا وتتبعه نعيم بن حماد . قال الخطيب : "وقد صنف أسد بن موسى مسندا ، وكان أكبر من نعيم سنا ، وأقدم سماعا ، فيحتمل أن يكون نعيم سبقه في حداثته" . قال الخطيب : "فإن شاء رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم ، وإن شاء على القبائل ، فيبدأ ببني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النسب . وإن شاء على قدر سوابق الصحابة في الإسلام . قال : وهذه الطريقة أحب إلينا . فيبدأ بالعشرة ، ثم بالمقدمين من أهل بدر ، ويتلوهم أهل الحديبية ، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح ، ثم من أسلم يوم الفتح ، ثم الأصاغر الأسنان ، كالسائب بن يزيد ، وأبي الطفيل . قال ابن الصلاح : "ثم بالنساء ، قال : وهذا أحسن ، والأول أسهل" . قال الخطيب : "يستحب أن يصنف المسند معللا ، فإن معرفة العلل أجل أنواع الحديث" . وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : لأن أعرف علة حديث هو عندي ، أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليس عندي . وقد جمع يعقوب بن شيبة مسندا معللا . قال الأزهري : ولم يصنف يعقوب المسند كله . قال : وسمعت الشيوخ يقولون : لم يتمم مسند معلل قط . قال : وقيل لي : إن نسخة بمسند أبي هريرة شوهدت بمصر ، فكانت مائتي جزء ، قال : ولزمه على ما [ ص: 57 ] خرج من المسند عشرة آلاف دينار . قال الخطيب : "والذي ظهر ليعقوب مسند العشرة وابن مسعود ، وعمار ، وعتبة بن غزوان ، والعباس ، وبعض الموالي . هذا الذي رأينا من مسنده" .

وإلى هذا أشرت بقولي : (وما كمل) وهي من الزوائد على ابن الصلاح .




الخدمات العلمية