الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع السادس والأربعون

معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر

تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا

فحصل بينهما أمد بعيد

وإن كان المتأخر منهما غير معدود من معاصري الأول وذوي طبقته .

ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب .

وقد أفرده الخطيب الحافظ في كتاب حسن سماه "كتاب السابق واللاحق".

ومن أمثلته : أن محمد بن إسحاق الثقفي السراج النيسابوري روى عنه البخاري الإمام في تاريخه، وروى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري ، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، وذلك أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين، ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وقيل : مات في سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمائة .

وكذلك مالك بن أنس الإمام حدث عنه الزهري وزكريا بن دويد الكندي ، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر ، ومات الزهري سنة أربع وعشرين ومائة ، ولقد حظي مالك بكثير من هذا النوع، والله أعلم .

[ ص: 1081 ] [ ص: 1082 ]

التالي السابق


[ ص: 1081 ] [ ص: 1082 ] النوع السادس والأربعون

معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر.

175 - قوله: (وكذلك مالك بن أنس الإمام حدث عنه الزهري، وزكريا بن دويد الكندي ، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر ، ومات الزهري سنة أربع وعشرين ومائة) انتهى.

وقد اعترض على المصنف بأن وفاة زكريا بن دويد لا تعرف، لكنه حدث عنه سنة نيف وستين ومائتين.

وهذا الاعتراض لا يرد عليه؛ لأن المصنف احترز عن ذلك بقوله: "أو أكثر" وإذا كان قد حدث عن مالك سنة نيف وستين ومائتين فأقل ما بينه وبين وفاة الزهري مائة وسبع وثلاثون سنة كما قال، فإن كان تأخر بعد ذلك فقد أشار إليه بقوله: "أو أكثر".

نعم، ما كان ينبغي للمصنف أن يمثل بزكريا بن دويد فإنه لا يعرف سماعه [ ص: 1083 ] من مالك؛ لكونه كذابا وضاعا، لكنه حدث عن مالك، بل حدث عن بعض شيوخ مالك وهو حميد الطويل بعد سنة ستين ومائتين، وحميد توفي إما سنة أربعين ومائة أو سنة ثلاث وأربعين، أو ما بينهما؛ ولذلك لم ير الحفاظ روايته عن مالك شيئا.

وصرح غير واحد من الحفاظ بأن آخر من سمع من مالك أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي، وبه جزم الحافظان أبو الحجاج المزي في (التهذيب) [ ص: 1084 ] وأبو عبد الله الذهبي في (العبر) وتوفي السهمي سنة تسع وخمسين ومائتين، والسهمي وإن كان ضعيفا أيضا ولكنه قد شهد له أبو مصعب بأنه كان معهم في العرض على مالك، فقد صح سماعه من مالك بخلاف زكريا بن دويد، وقد ذكره ابن حبان في (الضعفاء) فقال: "شيخ يضع الحديث على حميد الطويل، كان يدور بالشام ويحدثهم بها، ويزعم أن له مائة سنة وخمسة وثلاثين سنة، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه".

وقال صاحب (الميزان): "كذاب، ادعى السماع من مالك والثوري والكبار، وزعم أن له مائة وثلاثين سنة، وذلك بعد الستين ومائة" انتهى.

ولكن المصنف تبع في ذلك الخطيب؛ فإنه مثل به في كتابه (السابق واللاحق) وذكره في كتاب (أسماء الرواة عن مالك) وروى له حديثا عن مالك، وسكت عليه، فتبعه المصنف. والله أعلم.




الخدمات العلمية