الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
46 - قوله: (ع): "ولنذكر مثالا للمنكر" ، ثم أورد حديث همام ، عن ابن جريج عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - في وضع الخاتم عند دخول الخلاء.

[ ص: 677 ] وقد نوزع أبو داود في حكمه عليه بالنكارة مع أن رجاله من رجال الصحيح.

والجواب أن أبا داود حكم عليه بكونه منكرا، لأن هماما تفرد به عن ابن جريج وهما وإن كانا من رجال الصحيح، فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام عن ابن جريج شيئا، لأن أخذه عنه كان لما كان ابن جريج بالبصرة ، والذين سمعوا من ابن جريج بالبصرة في حديثهم خلل من قبله، والخلل في هذا الحديث من جهة أن ابن جريج دلسه عن الزهري بإسقاط الواسطة وهو زياد بن سعد ، ووهم همام في لفظه على ما جزم به أبو داود وغيره، هذا وجه حكمه عليه بكونه منكرا، وحكم النسائي عليه بكونه غير محفوظ أصوب فإنه شاذ في الحقيقة إذ المنفرد به من شرط الصحيح لكنه بالمخالفة صار حديثه شاذا.

وأما متابعة يحيى بن المتوكل له عن ابن جريج ، فقد تفيد لكن قول [ ص: 678 ] يحيى بن معين : لا أعرفه، أراد به جهالة عدالته لا جهالة عينه، فلا يعترض عليه بكونه روى عنه جماعة، فإن مجرد روايتهم عنه لا تستلزم معرفة حاله.

وأما ذكر ابن حبان له في الثقات، فإنه قال فيه مع ذلك: كان يخطئ وذلك مما يتوقف به عن قبول أفراده.

على أن للنظر مجالا في تصحيح حديث همام ، لأنه مبني على أن أصله حديث الزهري ، عن أنس - رضي الله عنه - في اتخاذ الخاتم.

ولا مانع أن يكون هذا متن آخر غير ذلك المتن وقد مال إلى ذلك ابن حبان فصححهما جميعا، ولا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج ، فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي - والله أعلم - .

وإذا تقرر كون هذا - أيضا - لا يصلح مثالا للمنكر فلنذكر مثالا للمنكر غيره.

وقد ذكر الحافظ العلائي في هذا المقام حديث هشام بن سعد عن الزهري ، عن أم سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر في رمضان ... فذكر حديث المواقع أهله في رمضان، وذكر فيه الكفارة وقوله: "على أفقر مني" وزاد في آخر المتن "وصم يوما مكانه واستغفر الله" .

قال العلائي : تفرد به هكذا هشام بن سعد - وهو متكلم فيه سيئ الحفظ، وخالف فيه عامة أصحاب الزهري الكبار الحفاظ فمن دونهم، فإنه عندهم عنه عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة لا عن أبي [ ص: 679 ] سلمة وليست عندهم هذه الزيادة.

قلت: وذكر أبو عوانة في صحيحه حديث هشام بن سعد هذا وقال: غلط هشام بن سعد .

وأورده ابن عدي في مناكير هشام بن سعد .

وقال أبو يعلى الخليلي : "أنكر الحفاظ حديثه في المواقع في رمضان من حديث الزهري عن أبي سلمة وقالوا: إنما رواه الزهري عن حميد ".

قال: ورواه وكيع عنه عن الزهري عن أبي هريرة - رضي الله عنه – منقطعا. قال أبو زرعة الرازي : أراد وكيع الستر على هشام بن سعد بإسقاط أبي سلمة ".

تنبيه

قول العلائي الذي أسلفناه أن الزيادة التي في آخر المتن تفرد بها هشام بن [ ص: 680 ] سعد ليس كما قال، فقد تابعه عليها الليث بن سعد وعبد الجبار بن عمر الأيلي كما أخرجه أبو عوانة في صحيحه والبيهقي - والله أعلم - .

وأما حديث أبي زكير في أكل البلح بالتمر، فقد أورده الحاكم في المستدرك لكنه لم يحكم له بالصحة ولا غيرها.

وأما ابن الجوزي أبو الفرج ، فذكره في الموضوعات .

والصواب فيه ما قال النسائي - وتبعه ابن الصلاح - : "إنه منكر". باعتبار تفرد الضعيف به على إحدى الروايتين.

وقد جزم ابن عدي بأنه تفرد به.

وقول الخليلي : إنه شيخ صالح أراد به في دينه لا في حديثه; لأن من عادتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك، فقالوا: صالح الحديث. فإذا أطلقوا الصلاح، فإنما يريدون به في الديانة. - والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية