الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[اشتراط ابن علية وغيره العدد في صحة الحديث:]

وأما اشتراط العدد في الحديث الصحيح ، فقد قال به قديما إبراهيم بن إسماعيل بن علية وغيره.

وعقد الشافعي في (الرسالة) بابا محكما لوجوب العمل بخبر الواحد ، [ ص: 242 ] وخبر الواحد عندهم هو: ما لم يبلغ درجة المشهور سواء رواه شخص واحد أو أكثر.

ورأيت في بعض تصانيف الجاحظ أحد المعتزلة أن الخبر لا يصح عندهم إلا إن رواه أربعة .

وعن أبي علي الجبائي أحد المعتزلة - أيضا - فيما حكاه أبو الحسين البصري في المعتمد أن الخبر لا يقبل إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر. أو عضده موافقة ظاهر الكتاب، أو ظاهر خبر آخر. أو يكون منتشرا بين الصحابة، أو عمل به بعضهم.

وأطلق الأستاذ أبو منصور التميمي عنه أنه يشترط الاثنين عن الاثنين [ ص: 243 ] والحق عنه التفصيل الذي حكيناه.

واحتج على ذلك:

1 - بقصة ذي اليدين وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - توقف في خبره حتى تابعه أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - وغيرهما.

2 – وقصة أبي بكر - رضي الله عنه - حين توقف في حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - في ميراث الجدة حتى تابعه محمد بن مسلمة [ ص: 244 ]

3 - وقصة عمر - رضي الله عنه - في توقفه في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - وغير ذلك.

4 - وقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: كنت إذا حدثني رجل استحلفته فإن حلف لي صدقته .

[ ص: 245 ]

والجواب عن ذلك كله واضح.

أما قصة ذي اليدين : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما توقف فيه للريبة الظاهرة؛ لأنه أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فعل نفسه وكان ثمة جماعة من أكابر الصحابة - رضي الله عنهم، ولم يذكره أحد منهم سواه، فكان موجب التوقف قويا. وقد قبل خبر غيره على انفراده عند انتفاء الريبة في جملة من الوقائع .

وأما قصة المغيرة رضي الله عنه فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه إنما توقف فيه؛ لأنه أمر مشهور فأراد أن يتثبت فيه، وقد قبل أبو بكر رضي تعالى الله عنه حديث عائشة رضي الله عنها وحدها في القدر الذي كفن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ذلك من الأخبار.

وأما عمر رضي الله عنه فإن أبا موسى - رضي الله عنه - أخبره [ ص: 246 ] بذلك الحديث عقب إنكاره عليه رجوعه، فأراد عمر - رضي الله عنه - الاستثبات في خبره لهذه القرينة.

وقد قبل عمر - رضي الله عنه – حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وحده في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر .

وحديثه وحده - رضي الله عنه - في النهي عن الفرار من الطاعون، وعن دخول البلدة التي وقع بها.

وحديث الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها.

وعدة أخبار من أخبار الآحاد في عدة من الوقائع.

وأما صنيع علي - رضي الله عنه - في الاستحلاف فقد أنكر البخاري [ ص: 247 ] صحته، وعلى تقدير ثبوته، فهو مذهب تفرد به، والحامل له على ذلك هو المبالغة في الاحتياط، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية