الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[زعم العراقي أن الحميدي لم يذكر اصطلاحا في الزيادات:]

7 - قوله: (ع): "والزيادات الموجودة في كتاب الحميدي ليست في واحد من الكتابين، ولم يروها الحميدي بإسناده فيكون حكمها حكم المستخرجات ولا أظهر لنا اصطلاحا أنه يزيد زوائد التزم فيها الصحة فيقلد فيها". انتهى.

وقد اعتمد شيخنا رحمه الله تعالى هذا منظومته فقال: وليت إذ زاد الحميدي ميزا ...

وشرح ذلك بمعنى الذي ذكره هنا: أن الحميدي لم يميز الزيادات التي [ ص: 301 ] زادها في الجمع ولا اصطلح على أنه لا يزيد إلا ما صح فيقلد في ذلك. وكان شيخنا رضي الله عنه قلد في هذا غيره وإلا فلو راجع كتاب الجمع بين الصحيحين لرأى في خطبته ما دل على ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها.

ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات وتبعه على ذلك الشيخ سراج الدين النحوي ، فألحق في كتابه المقنع ما صورته: هذه الزيادات ليس لها حكم الصحيح؛ لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ولا ذكر أنه يزيد ألفاظا واشترط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك.

وقال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني في محاسن الاصطلاح في هذا الموضع ما صورته: وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي تتمات لا وجود لها في الصحيحين ، وهو كما قال ابن الصلاح . إلا أنه كان ينبغي التنبيه على حكم تلك التتمات لتكمل الفائدة.

والدليل على ما ذهبنا إليه من أن الحميدي أظهر اصطلاحه لما يتعلق بهذه الزيادات موجود في خطبة كتابه إذ قال في أثناء المقدمة ما نصه: وربما أضفنا إلى ذلك نبذا مما نبهنا له من كتب أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر الإسماعيلي وأبي بكر الخوارزمي (يعني البرقاني) وأبي مسعود [ ص: 302 ] الدمشقي وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين من تنبيه على غرض أو تتميم لمحذوف أو زيادة من شرح أو بيان لاسم ونسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم.

فقوله: تتميم لمحذوف أو زيادة هو غرضنا هنا وهو يختص بكتابي الإسماعيلي والبرقاني، لأنهما استخرجا على البخاري . واستخرج البرقاني على مسلم .

وقوله: من تنبيه على غرض أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم أو بيان لاسم أو نسب، يختص بكتابي الدارقطني وأبي مسعود ، ذاك في كتاب التتبع وهذا في كتاب الأطراف.

وقوله: مما يتعلق بالكتابين، احترز به عن تصانيفهم التي لا تتعلق بالصحيحين، فإنه لم ينقل منها شيئا هنا.

فهذا الحميدي قد أظهر اصطلاحه في خطبة كتابه. ثم إنه فيما تتبعته من كتابه إذا ذكر الزيادة في المتن يعزوها لمن زادها من أصحاب المستخرجات وغيرها فإن عزاها لمن استخرج أقرها وإن عزاها لمن لم يستخرج تعقبها غالبا، [ ص: 303 ] لكنه تارة يسوق الحديث من الكتابين أو من أحدهما ثم يقول: مثلا: زاد فيه فلان كذا. وهذا لا إشكال فيه وتارة يسوق الحديث والزيادة جميعا في نسق واحد ثم يقول في عقبه مثلا: اقتصر منه البخاري على كذا وزاد فيه الإسماعيلي كذا وهذا يشكل على الناظر غير المميز؛ لأنه إذا نقل منه حديثا برمته وأغفل كلامه بعده وقع في المحذور الذي حذر منه ابن الصلاح ؛ لأنه حينئذ يعزو على أحد الصحيحين ما ليس فيه، فهذا الحامل لابن الصلاح على الاستثناء المذكور. حيث قال عن الحميدي ... إلى آخره.

1 - فمن أمثلة ذلك: أنه قال في مسند العشرة في حديث طارق بن شهاب عن أبي بكر - رضي الله عنه - في قصة وفد بزاخة من أسد وغطفان وأن أبا بكر - رضي الله عنه - خيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية فساق الحديث بطوله وقال في آخره: اختصره البخاري فأخرج طرفا منه. وأخرجه بطوله أبو بكر البرقاني .

[ ص: 304 ] 2 - ومن ذلك: قوله في مسند أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – عن أبي صالح عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مثلي ومثل النبيين كمثل رجل بنى دارا وأتمها إلا لبنة قال: فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة .

قال الحميدي : أحال به مسلم على حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في هذا المعنى ولم يسق حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - إلا قوله: مثلي ومثل النبيين ثم قال فذكر نحوه.

قال الحميدي : وحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - الذي أحال عليه أزيد لفظا وأتم معنى، ومتن حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - هو الذي أوردناه بينه أبو بكر البرقاني .

3 - ومنها: ما ذكره في مسند عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في أفراد البخاري عن هزيل عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون .

قال الحميدي : اختصره البخاري ولم يزد على هذا. وأخرجه بطوله أبو بكر البرقاني من تلك الطريق عن هزيل قال: جاء رجل إلى عبد الله [ ص: 305 ] - رضي الله عنه - فقال: إني أعتقت عبدا لي سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا. فقال عبد الله - رضي الله عنه -: إن أهل الإسلام لا يسيبون كأهل الجاهلية، فإنهم كانوا يسيبون، فأنت ولي نعمته ولك ميراثه، فإن تأثمت أو تحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال .

4 - ومنها ما ذكره في مسند أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: الحديث الحادي والثلاثون (يعني من أفراد البخاري ) عن أبي سعيد المقبري كيسان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ".

قال الحميدي : "أخرجه أبو بكر البرقاني في كتابه من حديث أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه فزاد فيه: "والجهل" بعد قوله: "والعمل به"". انتهى.

[ ص: 306 ] فانظر كيف لم يسامح بزيادة لفظة واحدة في المتن حتى بينها وأوضح أنها مخرجة من الطريق التي خرجها البخاري . فمن يفصل هذا التفصيل كيف يظن به أنه لا يميز بين ألفاظ الصحيحين اللذين جمعهما وبين الألفاظ المزيدة في رواية غيرهما.

5 - ومنها: ما ذكره في مسند عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - في أفراد البخاري عن أبي السفر سعيد بن يحمد قال: سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: يا أيها الناس، اسمعوا مني ما أقول لكم، وأسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس : من طاف بالبيت، فليطف من وراء الحجر ، ولا تقولوا: الحطيم، فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه - لم يزد (يعني البخاري ) .

وزاد البرقاني في الحديث بالإسناد المخرج به: - وأيما صبي حج به أهله فقد قضت حجته عنه ما دام صغيرا، فإذا بلغ فعليه حجة أخرى .

وأيما عبد حج به أهله، فقد قضت [حجته] عنه ما دام عبدا فإذا أعتق فعليه حجة أخرى.

[ ص: 307 ] ومن المواضع التي تعقبها على غير أصحاب المستخرجات ما حكاه في مسند جابر عن أبي مسعود الدمشقي أنه قال في الأطراف -: حديث أبي خثيمة زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء سراقة فقال: يا رسول الله ! بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن. أرأيت عمرتنا هذه لعامنا أو للأبد؟

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بل للأبد
.

قالوا: يا رسول الله ! فبين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن. فيم العمل اليوم...؟ الحديث.

قال أبو مسعود : رواه مسلم عن أحمد (يعني ابن يونس) ويحيى (يعني ابن يحيى) يعني كلاهما عن زهير .

قال الحميدي : كذا قال أبو مسعود . والحديث عند مسلم في القدر كما قال عن أحمد ويحيى، وليس فيه هذه القصة التي في العمرة [ ص: 308 ]

قال الحميدي : والحديث في الأصل أطول من هذا، وإنما أخرج مسلم منه ما أراد وحذف الباقي.

وقد أورده بطوله أبو بكر البرقاني في كتابه بالإسناد من حديث زهير ، ثم ساقه الحميدي من عند البرقاني بتمامه. وهذا غاية في التمييز والتبيين والتحري.

6 - ونظير هذا سواء. قال أبو مسعود أيضا في ترجمة قرة بن خالد عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من لقي الله تعالى لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار .

قال: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحيفة عند موته، فأراد أن يكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده، فكثر اللغط وتكلم عمر - رضي الله عنه - فرفضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 309 ] قال الحميدي : من قوله: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره ليس عند مسلم وهو في الحديث أخرجه بطوله البرقاني من حديث قرة ولكن مسلما اقتصر على ما أراد منه.

7 - ومن ذلك: ما ذكره في حديث ابن عباس عن علي - رضي الله عنهم - قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القراءة في الركوع والسجود قال: زاد في الأطراف في روية ابن عباس عن علي - رضي الله عنهم - النهي عن خاتم الذهب وليس ذلك عندنا في أصل كتاب مسلم .

قال الحميدي : ولعله قد وجد في نسخة أخرى.

8 - وقال في مسند أبي هريرة - رضي الله عنه - في الحديث الثالث: عن أنس بن مالك عن أبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله عز وجل: إذا تقرب عبدي مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة .

لفظ حديث مسلم ، زاد ابن مسعود - رضي الله عنه -: وإن هرول سعيت إليه، والله تعالى أسرع بالمغفرة .

قال الحميدي : لم أر هذه الزيادة في الكتابين.

[ ص: 310 ] قلت: والزيادة المذكورة تفرد بها محمد بن أبي السري العسقلاني ولم يخرجا له. وقد بينت ذلك في تغليق التعليق.

فهذه الأمثلة توضح أن الحميدي يميز الزيادات التي يزيدها هو أو غيره خلافا لمن نفى ذلك، - والله أعلم - .

وقد قرأت في كتاب ( الحافظ أبي سعيد) العلائي في علوم الحديث له قال لما ذكر المستخرجات -: ومنها: المستخرج على البخاري للإسماعيلي . والمستخرج على الصحيحين للبرقاني وهو مشتمل على زيادات كثيرة في تضاعيف متون الأحاديث، وهي التي ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين منبها عليها.

هذا لفظه بحروفه وهو عين المدعى ولله الحمد.

التالي السابق


الخدمات العلمية