الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ذكر البيان بأن من راءى في عمله يكون في القيامة

                                                                                                                          من أول من يدخل النار نعوذ بالله منها

                                                                                                                          408 - أخبرنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أنبأنا عبد الله بن المبارك ، قال : أنبأنا حيوة بن شريح قال : حدثني [ ص: 136 ] الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المديني ، أن عقبة بن مسلم ، حدثه أن شفيا الأصبحي حدثه ، أنه دخل مسجد المدينة ، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال : من هذا ؟ قالوا : أبو هريرة ، قال : فدنوت منه حتى قعدت بين يديه ، وهو يحدث الناس ، فلما سكت وخلا ، قلت له : أنشدك بحقي لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقلته وعلمته .

                                                                                                                          فقال أبو هريرة : أفعل ، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقلته وعلمته ، ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكث قليلا ، ثم أفاق فقال : " لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ، فمكث كذلك ، ثم أفاق ، فمسح عن وجهه ، فقال : أفعل ، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا وهو في هذا البيت ما معه أحد غيري وغيره ، ثم نشغ نشغة شديدة ، ثم مال خارا على وجهه ، واشتد به طويلا ، ثم أفاق ، فقال : حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن الله تبارك وتعالى ، إذا كان يوم القيامة ، ينزل إلى العباد ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثية .

                                                                                                                          فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ، ورجل يقتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال ، فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى يا رب ، قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول الله تبارك وتعالى له : كذبت . وتقول [ ص: 137 ] له الملائكة : كذبت ، ويقول الله : بل أردت أن يقال : فلان قارئ ، فقد قيل ذاك .

                                                                                                                          ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب . قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ؟ فيقول الله له : كذبت . وتقول الملائكة له : كذبت ، ويقول الله : بل إنما أردت أن يقال : فلان جواد ، فقد قيل ذاك .

                                                                                                                          ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له : في ماذا قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك ، فقاتلت حتى قتلت ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول الله : بل أردت أن يقال : فلان جريء ، فقد قيل ذاك ، ثم ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركبتي ، فقال : " يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة " .

                                                                                                                          [ ص: 138 ] قال الوليد بن أبي الوليد : فأخبرني عقبة أن شفيا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا الخبر .

                                                                                                                          قال أبو عثمان الوليد : وحدثني العلاء بن أبي حكيم ، أنه كان سيافا لمعاوية ، قال : فدخل عليه رجل ، فحدثه بهذا عن أبي هريرة ، فقال معاوية : قد فعل بهؤلاء مثل هذا ، فكيف بمن بقي من الناس ؟

                                                                                                                          ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هالك ، وقلنا : قد جاءنا هذا الرجل بشر ، ثم أفاق معاوية ، ومسح عن وجهه ، فقال : صدق الله ورسوله من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون .


                                                                                                                          قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : ألفاظ الوعيد في الكتاب والسنن كلها مقرونة بشرط ، وهو : إلا أن يتفضل الله جل وعلا على مرتكب تلك الخصال بالعفو وغفران تلك الخصال ، دون [ ص: 139 ] العقوبة عليها ، وكل ما في الكتاب والسنن من ألفاظ الوعد مقرونة بشرط ، وهو : إلا أن يرتكب عاملها ما يستوجب به العقوبة على ذلك الفعل حتى يعاقب ، إن لم يتفضل عليه بالعفو ، ثم يعطى ذلك الثواب الذي وعد به من أجل ذلك الفعل .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية