الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 390 ] ذكر ما يستحب للإمام بذل عرضه لرعيته ، إذا كان في ذلك صلاح أحوالهم في الدين والدنيا .

                                                                                                                          4530 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس بن مالك ، قال : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط : يا رسول الله ، إن لي بمكة مالا ، وإن لي بها أهلا ، وإني أريد أن آتيهم ، فأنا في حل إن أنا نلت منك ، أو قلت شيئا ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء ، قال : فأتى امرأته حين قدم ، فقال : اجمعي لي ما كان عندك ، فإني [ ص: 391 ] أريد أن أشتري من غنائم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ، قال : وفشا ذلك بمكة ، فأوجع المسلمين ، وأظهر المشركون فرحا وسرورا ، وبلغ الخبر العباس بن عبد المطلب فعقر في مجلسه ، وجعل لا يستطيع أن يقوم .

                                                                                                                          قال معمر : فأخبرني الجزري عن مقسم ، قال : فأخذ العباس ابنا له يقال له : قثم ، وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلقى ، فوضعه على صدره وهو يقول :


                                                                                                                          حبي قثم حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم     نبي رب ذي النعم
                                                                                                                          برغم أنف من رغم

                                                                                                                          قال معمر ، قال ثابت عن أنس ثم أرسل غلاما له إلى الحجاج بن علاط فقال : ويلك ما جئت به ، وماذا تقول ؟ فما وعد الله خيرا مما جئت به ، قال الحجاج لغلامه : أقرئ أبا الفضل السلام وقل له : فليخل لي بعض بيوته لآتيه ، فإن الخبر على ما يسره ، فجاء غلامه ، فلما بلغ الباب ، قال : أبشر أبا الفضل فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه ، فأخبره ما قال الحجاج ، فأعتقه ، ثم جاء الحجاج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر وغنم أموالهم ، وجرت سهام الله [ ص: 392 ] في أموالهم ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي ، واتخذها لنفسه ، وخيرها بين أن يعتقها فتكون زوجته أو تلحق بأهلها ، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته ، ولكني جئت لمال كان لي ها هنا أردت أن أجمعه وأذهب به ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت ، فاخف عني ثلاثا ، ثم اذكر ما بدا لك ، قال : فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع جمعته فدفعته إليه ، ثم استمر به ، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج ، فقال : ما فعل زوجك ، فأخبرته أنه قد ذهب ، وقالت : لا يحزنك الله أبا الفضل ، لقد شق علينا الذي بلغك ، قال : أجل لا يحزنني الله ، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببناه ، وقد أخبرني الحجاج ، أن الله قد فتح خيبر على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، فإن كان لك حاجة في زوجك فالحقي به ، قالت : أظنك والله صادقا ، قال : فإني صادق والأمر على ما أخبرتك .

                                                                                                                          قال : ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون : لا يصيبك إلا خير أبا الفضل ، قال : لم يصبني إلا خير بحمد الله ، وقد أخبرني الحجاج أن خيبر فتحها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا ، وإنما جاء ليأخذ [ ص: 393 ] ما كان له ثم يذهب ، قال : فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين ، وخرج المسلمون من كان دخل بيته مكتئبا حتى أتوا العباس ، فأخبرهم الخبر ، فسر المسلمون ، ورد الله ما كان من كآبة أو غيظ ، أو خزي على المشركين
                                                                                                                          .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية