الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
آخر

1807 - أخبرنا المبارك بن المبارك بن المعطوش الحريمي - ببغداد - أن هبة الله بن محمد بن عبد الواحد أخبرهم ، أبنا الحسن بن علي بن المذهب ، أبنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، قال : سمعت ثابتا يحدث ، عن أنس ، قال : لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ، قال الحجاج بن علاط : يا رسول الله ، إن لي بمكة مالا وإن لي بها أهلا ، وإني أريد أن آتيهم ، أفأنا في حل إن أنا نلت منك ، أو قلت شيئا ؟ فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن يقول ما شاء ، فأتى امرأته حين قدم ، فقال اجمعي ما كان عندك ; فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه ; فإنهم استبيحوا وأصيبت أموالهم .

[ ص: 183 ] قال : وفشا ذلك بمكة فانقمع المسلمون ، وأظهر المشركون فرحا وسرورا .

قال : وبلغ الخبر العباس فعقر ، وجعل لا يستطيع أن يقوم ، قال : فأخبرني عثمان الجزري ، عن مقسم ، قال : فأخذ ابنا له يقال له : قثم فاستلقى فوضعه على صدره وهو يقول :


حبي قثم [ حبي قثم ] شبيه ذي الأنف الأشم     نبي [ رب ] ذي نعم
برغم [ أنف ] من رغم

قال ثابت ، عن أنس : ثم أرسل غلاما له إلى الحجاج بن علاط : ويلك ما جئت به ؟ وماذا تقول ؟ فما وعد الله تبارك وتعالى خير مما جئت به .

قال الحجاج بن علاط لغلامه : أقرئ على أبي الفضل السلام ، وقل له : فليخل لي في بعض بيوته لآتيه ; فإن الخبر على ما يسره .

فجاء غلامه فلما بلغ باب الدار ، قال : أبشر يا أبا الفضل ، قال : فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه فأخبره ما قال : الحجاج فأعتقه .

ثم جاءه الحجاج فأخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد افتتح خيبر [ ص: 184 ] وغنم أموالهم ، وجرت سهام الله في أموالهم ، واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي ، فاتخذها لنفسه ، وخيرها أن يعتقها وتكون زوجته أو تلحق بأهلها ، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته ، ولكني جئت لمال لي كان ها هنا ، أردت أن أجمعه فأذهب به ، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن لي أن أقول ما شئت ، فأخف عني ثلاثا ، ثم اذكر ما بدا لك .

فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع ، فجمعته فدفعته إليه ، ثم انشمر به ، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج ، فقال : ما فعل زوجك ؟ فأخبرته أنه قد ذهب يوم كذا وكذا ، وقالت : لا يحزنك الله يا أبا الفضل ، لقد شق علينا الذي بلغك ، قال : أجل لا يحزنني الله ، ولم يكن بحمد الله تبارك وتعالى إلا ما أحببنا فتح الله خيبر على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وجرت فيها سهام الله تعالى ، واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية لنفسه ، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به . قالت : أظنك والله صادقا ، قال : فإني صادق الأمر على ما أخبرتك .

ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم : لا يصبك إلا خير يا أبا الفضل ، قال : لم يصبني بحمد الله إلا خير ، قد أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله تعالى على رسوله ، وجرت فيها سهام الله تعالى ، واصطفى صفية لنفسه ، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا ، وإنما جاء ليأخذ ماله وما كان له من شيء ها هنا ثم يذهب .

[ ص: 185 ] قال : فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين ، وخرج المسلمون من كان دخل بيته مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر ، فسر المسلمون ، ورد الله ما كان من كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين
.

التالي السابق


الخدمات العلمية