الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
145 - وأخبرنا الإمام أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر بن أحمد الصفار - بنيسابور - أن أبا بكر وجيه بن طاهر الشحامي أخبرهم ، أبنا أبو [ ص: 154 ] حامد أحمد بن الحسن الأزهري قال : أبنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون ، أبنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي ، ثنا محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي ، ثنا يوسف بن البهلول ، ثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق قال :

وقال الزهري : فحدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضى لسفره وخرج لعشر مضين من رمضان ، فصام وصام الناس معه حتى إذ كان بالكديد ، أفطر ، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين ، فسبعت سليم وألفت مزينة ، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني مر الظهران وقد عميت الأخبار على قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يدرون ما هو فاعل ، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء يتحسبون وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعونه ، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر الظهران قال العباس بن عبد المطلب قلت : واصباح قريش ! لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر ، قال : فجلست على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء ، فخرجت عليها حتى جئت لأراك أقول لعلي ألقى بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتيهم فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه ، قال : فوالله ، إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان ، وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول : ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا - قال : قال بديل : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب ، قال : قال أبو سفيان : خزاعة والله أذل وألأم من أن يكون هذه نيران خزاعة [ ص: 155 ] وعسكرها ، فعرفت صوت أبي سفيان ، فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي ، فقال أبو الفضل ؟ قال : قلت : نعم ، قال : قال : ما لك فداك أبي وأمي ! ، قال : قلت : ويلك هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس ، واصباح قريش والله ، قال : فما الحيلة فداك أبي وأمي ؟ قال : قلت : لا والله إلا أن تركب في عجز هذه الدابة فآتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه والله إن ظفر بك ليضربن عنقك - قال : فركب في عجز البغلة ورجع صاحباه - قال : فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا : من هذا ؟ فإذا نظروا قالوا : عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته ، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال : من هذا ؟ وقام إلي فلما رآه على عجز الدابة عرف ، وقال : أبو سفيان عدو الله ! الحمد لله الذي أمكن منك ، وخرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء ، ثم أقحمت عن البغلة ودخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء عمر فدخل ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني فأضرب عنقه ، قال : قلت : يا رسول الله ، إني قد أجرته ، قال : ثم جلست إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذت برأس ، فقلت : والله لا يناجيه يعني الليلة رجل دوني ، فلما أكثر عمر في شأنه ، قلت : مهلا يا عمر ، فلما أكثر عمر في شأنه قلت : مهلا يا عمر ، فلما أكثر عمر في شأنه قلت : مهلا يا عمر ، أما والله لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكن قد عرفت أنه رجل من بني عبد مناف ، قال : مهلا يا عباس ، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب به إلى [ ص: 156 ] رحلك ، فإذا أصبحت فأتنا به " ، قال : فذهبت به إلى رحلي ، فلما أصبحت غدوت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه قال : " ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله ؟ " قال : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! ، أما والله لقد كاد يقع في نفسي أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا بعد ، قال : " ويلك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تشهد أني رسول الله ؟ " ، قال : بأبي وأمي أنت ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! أما والله هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئا ، قال العباس : قلت : ويلك أسلم ، واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ، قال : فشهد شهادة الحق وأسلم .

قال العباس : فقلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا ، قال : نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، قال : فلما ذهبت لأنصرف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عباس ، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به خيول الله فيراها " ، قال : فحبسته حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ومرت به القبائل على راياتها ، فكلما مرت به قبيلة ، قال : من هذه ؟ قال : قلت : بنو سليم ، قال : يقول : ما لي ولبني سليم ، ثم تمر القبيلة ، فيقول : من هذه ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : ما لي ولمزينة ، حتى نفدت القبائل ، لا تمر قبيلة إلا سألني عنها فأخبره ، إلا قال : ما لي ولبني فلان ، قال : حتى مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخضراء ؛ كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق في الحديد ، قال : سبحان الله ! من هؤلاء يا عباس ؟ قال : قلت : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجرين والأنصار ، قال : قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ، قال : قلت : ويحك يا أبا سفيان إنها النبوة ، [ ص: 157 ] قال : فنعم ، قال : قلت : النجاء إلى قومك ، لتخرج إليهم ، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، قال : فقامت إليه هند ابنة عتبة ، فأخذت بشاربيه ، فقالت : اقتلوا الحميت الدسم الأحمش تينى - ولعله بئس - من طليعة قوم ، قال : ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم ؛ فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن - فقالوا : قاتلك الله وما تغني عنا دارك ؟ - ومن أغلق بابه فهو آمن
.

روى البخاري ومسلم من رواية الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة ومعه عشرة آلاف ، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة ، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد - وهو ماء بين عسفان وقديد - أفطر وأفطروا .

قال الزهري : وإنما يؤخذ من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآخر فالآخر ، وهذا لفظ حديث معمر عن الزهري عند البخاري ، وهو أطول الروايات .

وفي رواية مسلم اختصار .

التالي السابق


الخدمات العلمية