الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1295 [ 652 ] وعن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام ، بكل عقدة يضرب عليك ليلا طويلا ، فإذا استيقظ فذكر الله ; انحلت عقدة ، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان ، فإذا صلى انحلت العقد ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 243)، والبخاري (3269)، ومسلم (776)، وأبو داود (1306)، والنسائي (3 \ 203 - 204)، وابن ماجه (1329) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد . هذا العقد الذي يعقده الشيطان كأنه من باب عقد السواحر النفاثات في العقد [ الفلق : 4] ; وذلك بأنهن يأخذن خيطا فيعقدن عليه عقدة منه ، ويتكلمن عليه بالسحر ، فيتأثر المسحور عند ذلك ; إما بمرض ، أو تخييل ، أو تحريك قلب ، أو تحزين ، أو غير ذلك ، فشبه فعل الشيطان بالنائم بفعل السواحر ، وذلك أن النائم [ ص: 409 ] كلما أراد أن يقوم ليذكر الله أو يصلي غره وخدعه ; بأن يقول له : عليك ليل طويل فارقد ، فيريه أنه لطول ما بقي عليه من الليل ما يمكنه استيفاء راحته من النوم ، وقيامه بعد ذلك لحزبه ، فيصغي لذلك ويرقد ، ثم إن استيقظ ثانية فعل به ذلك ، وكذلك ثالثة ، فلا يستيقظ من الثالثة إلا وقد طلع الفجر ، فيفوته ما كان أراد من القيام . وإنما خص العقد بثلاث ; لأن أغلب ما يكون انتباه النائم في السحر ، فإن اتفق له أن يستيقظ ويرجع للنوم ثلاث مرات ; لم تنقض النومة الثالثة في الغالب إلا والفجر قد طلع . والله أعلم .

                                                                                              وروايتنا الصحيحة : عليك ليل طويل ; على الابتداء والخبر ، وقد وقع في بعض الروايات : عليك ليلا طويلا ; على الإغراء ، والأول أولى من جهة المعنى ; لأنه الأمكن في الغرور ، من حيث إنه يخبره عن طول الليل ، ثم يأمره بالرقاد بقوله : فارقد وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد ، وحينئذ يكون قوله : " فارقد " ضائعا . والله أعلم .

                                                                                              وقافية الرأس : آخره ، وكذلك قافية كل شيء ، ومنه : قافية الشعر .

                                                                                              وقوله : فأصبح نشيطا طيب النفس ; أي : نشيطا لما يرد عليه من عبادات أخر ; من صلوات وغيرها ، فإنه يألف العبادات ويعتادها ، حتى تصير له شربا ، فتذهب عنه مشقتها ، ولا يستغني عنها .

                                                                                              وطيب النفس ; لرجاء ثواب ما فعل ; ولانشراح صدره بما يستقبل . والله أعلم .

                                                                                              وقوله : وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ; أي : بشؤم تفريطه ، وبإتمام [ ص: 410 ] خديعة الشيطان عليه ; إذ قد حمله على أن فاته الحظ الأوفر من قيام الليل . وكسلان ; أي : متثاقل عن الخيرات فلا يكاد تسخو نفسه ، ولا تخف عليها صلاة ، ولا غيرها من القربات ، وربما يحمله ذلك على تضييع الواجبات .

                                                                                              وكسلان : غير منصرف ; للألف والنون الزائدتين ، وهو مذكر كسلى . وقد وقع لبعض رواة الموطأ : كسلانا مصروفا ، وليس بشيء ، وقد أضاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الخبث للنفس ، مع أنه قد قال في حديث آخر : لا يقل أحدكم : خبثت نفسي ، ولكن ليقل : لقست نفسي ، ولا تعارض بينهما ; لأن الذي منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إنما هو : أن يطلق الإنسان على نفسه لفظ الخبث ، وهو مذموم ، فيذم نفسه ، ويضيف الذم إليها ، وهو ممنوع في مثل هذا ، وأما لو أضاف الإنسان لفظ الخبث إلى غيره مما يصدق عليه ، لم يكن ذلك مذموما ولا ممنوعا . والله أعلم .

                                                                                              ولقست : معناه غثت ، ويقال : مقست بالميم والقاف ، ونقست بالنون ، وكله بمعنى خبثت ، وكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره إطلاق ذلك اللفظ ، فنقل إلى غيره ، كما قررناه . وقد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم عاصية بجميلة ، وكره لفظ العقوق ، وهذا النحو كثير عنه صلى الله عليه وسلم .




                                                                                              الخدمات العلمية