الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              115 [ 64 ] وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ، ويقول : يا ويله! - وفي رواية : يا ويلتا! - أمر ابن آدم بالسجود فسجد ; فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت ; فلي النار .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 440 و 443 ) ، ومسلم ( 81 ) ، وابن ماجه ( 1052 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " إذا قرأ ابن آدم السجدة ، اعتزل الشيطان ") أصل السجود في اللغة : الخضوع والخشوع ; قال زيد الخيل :

                                                                                              [ ص: 273 ]

                                                                                              بجمع تصلي البلق في حجراته ترى الأكم فيها سجدا للحوافر

                                                                                              أي : خاضعة . ويقال أيضا : على الميل ; يقال : سجدت النخلة ، أي : مالت ، وسجدت الناقة : طأطأت رأسها ، قال يعقوب : أسجد الرجل : إذا طأطأ رأسه ، وسجد : إذا وضع جبهته في الأرض ، وقال ابن دريد : أصل السجود : إدامة النظر مع إطراق إلى الأرض .

                                                                                              قال المؤلف - رحمه الله - : والحاصل أن أصل السجود : الخضوع ، وسميت هذه الأحوال سجودا ; لأنها تلازم الخضوع غالبا ، ثم قد صار في الشرع عبارة عن وضع الجبهة على الأرض على نحو مخصوص . والسجود المذكور في هذا الحديث : هو سجود التلاوة ; لقوله : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد . وقد اختلف في حكمه :

                                                                                              فذهب الجمهور : إلى أنه مندوب وفضيلة ، وصار أبو حنيفة : إلى أنه واجب ; مستدلا بهذا الحديث . ووجهه : أن إبليس عصى بترك ما أمر به من السجود ; فذم ولعن ، وابن آدم أطاع بفعله ; فمدح وأثيب بالجنة ; فلو تركه لعصى ; إذ السجود نوع واحد ، فلزم من ذلك كون السجود واجبا . والجواب : أن ذم إبليس ولعنه لم يكن لأجل ترك السجود فقط ، بل لترك السجود عتوا على الله وكبرا ، وتسفيها لأمره تعالى ، وبذلك كفر ، لا بترك العمل بمطلق السجود ; ألا ترى قوله تعالى مخبرا عنه بذلك حين قال : أبى واستكبر وكان من الكافرين [ البقرة : 34 ] ، وقال : لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون [ الحجر : 33 ]، وقال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين [ الأعراف : 12 ] . سلمنا : أنه ذم على ترك السجود ، لكن لا نسلم أن السجود نوع واحد ; فقد قال بعض المفسرين : إن [ ص: 274 ] السجود الذي أمر الله به الملائكة إنما كان طأطأة الرأس لآدم تحية له ، وسجود التلاوة وضع الجبهة بالأرض على كيفية مخصوصة ، فافترقا ; سلمنا : أنه نوع واحد ; لكن منقسم بالإضافة ، ومتغاير بها ، فيصح أن يؤمر بأحدها وينهى عن الآخر ; كما يؤمر بالسجود لله تعالى وينهى عن السجود للصنم ; فما أمر به الملائكة من السجود لآدم محرم على ذريته ، كما قد حرم ذلك علينا ; وكيف يستدل بوجوب أحدهما على وجوب الآخر ؟! وسيأتي القول في سجود القرآن في بابه ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                              وبكاء إبليس المذكور في الحديث : ليس ندما على معصية ، ولا رجوعا عنها ، وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه مما أصابه من دخول أحد من ذرية آدم الجنة ونجاته ، وذلك نحو ما يعتريه عند الأذان والإقامة ويوم عرفة ; على ما يأتي إن شاء الله تعالى .

                                                                                              و (قوله : " يا ويلتا ") الويل : الهلاك ، وويل : كلمة تقال لمن وقع في هلكة ، والألف في " يا ويلتا " : للندبة والتفجع .




                                                                                              الخدمات العلمية