الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1437 [ 737 ] وعن أبي وائل ، قال : خطبنا عمار ، فأوجز وأبلغ ، فلما نزل قلنا : يا أبا اليقظان . لقد أبلغت وأوجزت ، فلو كنت تنفست ؟ ! فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن طول صلاة الرجل ، وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ، وإن من البيان سحرا .

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 263)، ومسلم (869)، وأبو داود (1106) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : خطبنا عمار فأبلغ وأوجز ; أي : أبلغ في المعنى ، وأوجز في اللفظ ، وهذه المسماة بالبلاغة والفصاحة .

                                                                                              وقوله : فلو كنت تنفست ; أي : أطلت الكلام شيئا ; يقال : نفس الله في عمرك ; أي : أطاله .

                                                                                              وقوله - صلى الله عليه وسلم - : مئنة من فقهه : الرواية في هذا اللفظ : مئنة بالهمز ، والقصر ، وتشديد النون ، ووقع لبعضهم : مائنة بالمد ، وهو غلط ، وكذلك كل تقييد خالف [ ص: 504 ] الأول .

                                                                                              قال الأصمعي : سألني شعبة عن هذا الحرف ، فقلت : هو كقولك : علامة ، ومخلقة ، ومجدرة [ ومحراة ] .

                                                                                              قال أبو عبيد : يعني : إن هذا مما يستدل به على فقه الرجل .

                                                                                              قال أبو منصور : جعل أبو عبيد الهمزة فيه أصلية .

                                                                                              قال أبو الحسن بن سراج : الميم في : مئنة أصلية ، ووزنها فعلة ، من مأنت إذا شعرت ، وقاله أبوه أبو مروان .

                                                                                              قال الأزهري : الميم في مئنة ميم مفعلة ، وليست بأصلية . ومعنى قول المرار :


                                                                                              فتهامسوا سرا وقالوا عرسوا من غير تمئنة لغير معرس



                                                                                              أي : لم يتأكدوا من وقت التعريس . ويقال : أتاني فلان ما مأنت مأنه ، ولا شأنت شأنه ; أي : لم أفكر فيه ، ولم أتهيأ له .

                                                                                              وقوله : فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة : غير مخالف لقوله : كانت صلاته قصدا وخطبته قصدا ; لأن كل واحد قصد في بابه ، لكن الصلاة ينبغي أن تكون أطول من الخطبة ، مع القصد في كل واحد منهما .

                                                                                              وقوله : وإن من البيان سحرا : البيان هنا : الإيضاح البليغ مع اللفظ المستعذب ، وفي هذا الحديث تأويلان :

                                                                                              [ ص: 505 ] أحدهما : أنه قصد به الذم ; لأن الإبلاغ في البيان يفعل في القلوب من الإمالة ، والتحريك ، والتطريب ، والتحزين ما يفعل السحر . واستدل متأول هذا بإدخال مالك الحديث في موطئه في باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله ، وأنه مذهبه في تأويل الحديث .

                                                                                              وثانيهما : أنه على جهة المدح ، فإن الله تعالى قد امتن على عباده بالبيان ، حيث قال : خلق الإنسان ، علمه البيان [ الرحمن : 3 - 4 ] وشبهه بالسحر لميل القلوب إليه . وأصل السحر : الصرف ، والبيان يصرف القلوب ، ويميلها إلى ما يدعو إليه .

                                                                                              قلت : وهذا التأويل أولى ; لهذه الآية وما في معناها .




                                                                                              الخدمات العلمية