الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1450 [ 745 ] وعن أبي رفاعة قال : انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ، قال : فقلت : يا رسول الله ! رجل غريب جاء يسأل عن دينه ، لا يدري ما دينه . قال : فأقبل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وترك خطبته حتى انتهى إلي ، فأتي بكرسي ، حسبت قوائمه حديدا ، قال : فقعد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل يعلمني مما علمه الله ، ثم أتى خطبته فأتم آخرها .

                                                                                              رواه أحمد (5 \ 80)، ومسلم (876)، والنسائي (8 \ 220) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول أبي رفاعة : انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ; يحتمل أن تكون تلك الخطبة للجمعة ولغيرها ; إذ قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع الناس لغير الجمعة ; عند نزول النوازل ، فيخطبهم ويعظهم .

                                                                                              وقوله : رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه : استلطاف في السؤال ، واستخراج حسن للتعليم ; لأنه لما أخبره بذلك تعين عليه أن يعلمه ، وأيضا فإن هذا الرجل الغريب الذي جاء سائلا عن دينه ; هو من النوع الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن ناسا يأتونكم من أقطار الأرض يطلبون العلم ، فاستوصوا بهم خيرا ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يأمر بشيء إلا كان أول آخذ به ، وإذا نهى عن شيء كان أول تارك له .

                                                                                              [ ص: 515 ] وقوله : فأقبل علي وترك خطبته ، إنما فعل ذلك لتعينه عليه في الحال ; ولخوف الفوت ; ولأنه لا يناقض ما كان فيه من الخطبة ، ومشيه - صلى الله عليه وسلم - وقربه منه في تلك الحال مبادرة لاغتنام الفرصة ، وإظهار التهمم بشأن السائل .

                                                                                              وقوله : فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا : هكذا صحيح الرواية ، وذكره ابن قتيبة وقال : بكرسي خلب ، قال : والخلب : الليف ، وهو تصحيف منه ، وإنما هو : خلت ; كما رواه ابن أبي شيبة ، وهو بمعنى : حسبت ; الذي رواه مسلم . ووقع في نسخة ابن الحذاء : بكرسي خشب ، وهو أيضا تصحيف ، وصوابه ما قدمناه ، وقد فسره حميد في كتاب ابن أبي شيبة ، فقال : أراه كان من عود أسود فحسبه من حديد ، قلت : وأظن أن هذا الكرسي هو المنبر ، ويعني به : أنه نقل عن موضعه المعتاد له إلى موضع السائل ، ليجلس عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                              وقوله : ثم أتى خطبته فأتم آخرها ; أي : لما فرغ من تعليم الرجل ; رجع إلى أسلوب خطبته المتقدم ، لا يقال : إن هذا الفعل منه - صلى الله عليه وسلم - قطع للخطبة ; لما قررناه من أن تعليم العلم والأمر والنهي في الخطبة لا يكون قطعا للخطبة ، والجمهور على أن الكلام في الخطبة لأمر يحدث لا يفسدها . وحكى الخطابي عن بعض العلماء : أن الخطيب إذا تكلم في الخطبة أعادها .




                                                                                              الخدمات العلمية