الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1493 (2) باب

                                                                                              الدعاء في السقيا في المسجد وبغير صلاة

                                                                                              [ 766 ] عن أنس بن مالك ، أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة ، من باب كان نحو دار القضاء ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب ، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما ، ثم قال : يا رسول الله ، هلكت الأموال وانقطعت السبل ، فادع الله يغثنا . قال : فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال : اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، قال أنس : فلا والله ، ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار . قال : فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ، ثم أمطرت . قال : فلا والله ما رأينا الشمس سبتا . قال : ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب فاستقبله قائما ، فقال : يا رسول الله ! هلكت الأموال وانقطعت السبل ، فادع الله يمسكها عنا . قال : فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ، ثم قال : اللهم حولنا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ، ومنابت الشجر . قال : فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس .

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 104 و 187) ، والبخاري (1013) ، ومسلم (897) (8) ، وأبو داود (1174 و 1175) ، ، والنسائي (3 \ 154 و 155) .

                                                                                              [ ص: 542 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 542 ] (2) ومن باب : الدعاء في السقيا

                                                                                              دار القضاء سميت بذلك ; لأنها بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب الذي كتبه على نفسه لبيت مال المسلمين ، وأوصى أن يباع فيها ماله ، فباع عبد الله ابنه داره هذه من معاوية ، وباع ماله بالغابة ، فكان يقال لها : دار قضاء دين عمر ، ثم اختصروا فقالوا : دار القضاء ، وهي دار مروان ، وكان دين عمر عشرين ألفا ، وقد غلط من قال فيها : دار قضاء الأمراء .

                                                                                              وظاهر هذا الحديث يدل على جواز كلام الداخل مع الخطيب في حال خطبته ، ويحتمل أن يكون إنما كلمه في حال سكتة كانت من النبي - صلى الله عليه وسلم - ; إما لاستراحة في النطق ، وإما في حال الجلوس . والله أعلم .

                                                                                              وقوله : هلكت الأموال ; أي : المواشي . وأصل المال : كل ما يتمول ، وعرفه عند العرب : الإبل ; لأنها معظم أموالهم . وانقطعت السبل ; أي : الطرق ; لهلاك الإبل ، ولعدم ما يؤكل في الطرق .

                                                                                              [ ص: 543 ] وقوله : اللهم أغثنا بالهمزة رباعيا ، هكذا رويناه ، ومعناه : هب لنا غيثا ، والهمزة فيه للتعدية ، وقال بعضهم : صوابه : غثنا ; لأنه من غاث . قال : وأما أغثنا ; فإنه من الإغاثة ، وليس من طلب الغيث ، والأول الصواب . والله أعلم .

                                                                                              وقوله : ولا قزعة ; أي : ولا قطعة من سحاب ، وجمعه : قزع . قال أبو عبيد : وأكثر ما يكون في الخريف . وسلع : بفتح السين المهملة ، وسكون اللام ، وهو : جبل مشهور بقرب المدينة . في البخاري : هو الجبل الذي في السوق .

                                                                                              وتشبيه السحابة بالترس ; في كثافتها واستدارتها . وأمطرت : أنزلت رباعيا ، ويقال : ثلاثيا ; بمعنى واحد ، وقيل : أمطر في العذاب ، ومطر في الرحمة . والأول أعرف .

                                                                                              وقوله : ما رأينا الشمس سبتا ; أي : من سبت إلى سبت ; كما تقول : جمعة ; أي : من جمعة إلى جمعة . والسبت في اللغة : القطع ، وبه سمي يوم السبت . وقال ثابت في تفسير قوله : سبتا : أنه القطعة من الزمان ، يقال : سبت من الدهر ; أي : قطعة منه ، وسبته : قطعته ، وقد رواه الداودي : ستا ، وفسره : بستة أيام من الدهر ، وهو تصحيف .

                                                                                              [ ص: 544 ] وقوله في الثانية : هلكت الأموال وانقطعت السبل ; أي : لامتناع الرعي والتصرف ; لكثرة المطر . وحوالينا : ظرف متعلق بمحذوف ، تقديره : اللهم أنزل حوالينا ولا تنزل علينا . والآكام : جمع أكمة ، وهي : دون الجبال . والآكام : بفتح الهمزة والمد ، ويقال بالكسر : إكام ، وأكم ، وأكم - بفتحها وضمها - ، وقال الخليل : الأكمة : هو تل . والظراب : الروابي ، واحدتها : ظرب ، ومنه الحديث : فإذا حوت مثل الظرب . قال الثعالبي : الأكمة : أعلى من الرابية .




                                                                                              الخدمات العلمية