الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1552 [ 805 ] وعن أم عطية قالت : أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع البيعة ألا ننوح ، فما وفت منا امرأة إلا خمس : أم سليم ، وأم العلاء ، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ ، ( أو ابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ) .

                                                                                              وفي رواية : قالت أم عطية : يا رسول الله ! إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ; فلا بد لي من أن أسعدهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إلا آل فلان .

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 408) ، والبخاري (1306) ، ومسلم (936) (31 و 33) ، وأبو داود (3127) ، والنسائي (7 \ 148 - 149) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول أم عطية : أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا ننوح ، دليل على تحريم النياحة ، وتشديد المنع فيها ; لأنها تستجلب الحزن ، وتصد عن الصبر المحمود .

                                                                                              [ ص: 590 ] وقولها : فما وفت منا امرأة إلا خمس ، ثم ذكرت ثلاثا أو أربعا ، قال عياض : معناه : أنه لم يف ممن بايع معها على ذلك . وفي كتاب البخاري تكميلهن ، فقال : ابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ ، وامرأتان ، أو ابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ ، وامرأة أخرى .

                                                                                              وقول أم عطية عند المبايعة : إلا آل فلان ، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم ، فقال : إلا آل فلان ، أشكل هذا الحديث على العلماء ، وكثرت فيه أقوالهم ; فقيل فيه : إن هذا كان قبل تحريم النياحة . وهذا فاسد بمساق حديث أم عطية هذا ، فإن فيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليهن في البيعة : ألا ينحن . وذكر النياحة مع الشرك ، وألا يعصينه في معروف ، فلولا أن النياحة محرمة ، لما أكد أمرها عليهن ، وذكرها في البيعة مع محظورات أخر ، ولما فهمت أم عطية التحريم استثنت .

                                                                                              وثانيها : أن ذلك خاص بأم عطية . وهذا أيضا فاسد ، فإنه لا يخصها بتحليل ما كان من قبيل الفواحش كالزنى والخمر .

                                                                                              وثالثها : أن النهي عن النياحة إنما كان على جهة الكراهة ، لا على جهة العزم [ ص: 591 ] والتحريم . وهذا أيضا فاسد بما تقدم ، وبقوله : أربع في أمتي من أمر الجاهلية . وبقوله : النائحة إذا لم تتب جاءت يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من حرب . وهذا وعيد يدل على أنه من الكبائر .

                                                                                              ورابعها : أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : إلا آل فلان ، ليس فيه نص على أنها تساعدهم بالنياحة ، فيمكن أنها تساعدهم باللقاء والبكاء الذي لا نياحة فيه ، وهذا أشبه مما قبله .

                                                                                              وخامسها : أن يكون قوله : إلا آل فلان إعادة لكلامها على جهة الإنكار والتوبيخ ; كما قال للمستأذن حين قال : أنا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : أنا أنا ، منكرا عليه . ويدل على صحة هذا التأويل ما زاد النسائي في حديث بمعنى حديث أم عطية ، فقال : لا إسعاد في الإسلام ; أي : على النياحة . والله أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية