الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1824 (3) باب

                                                                                              في قوله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود

                                                                                              وقوله عليه الصلاة والسلام : " إن بلالا ينادي بليل " .

                                                                                              [ 959 ] عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر قال له عدي: يا رسول الله! إني جعلت تحت وسادتي عقالين: عقالا أبيض وعقالا أسود ، أعرف الليل من النهار ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن وسادك لعريض ، إنما هو سواد الليل وبياض النهار " .

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 377)، والبخاري (1916)، ومسلم (1090)، والترمذي (2970) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (3) ومن باب: قوله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود

                                                                                              حديث عدي هذا يقتضي : أن قوله تعالى : من الفجر نزل متصلا بقوله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود وأن عدي بن حاتم حمل الخيط على حقيقته ، وفهم من قوله : من الفجر من أجل الفجر . ففعل ما فعل بالعقال الأبيض والأسود . وهذا بخلاف حديث سهل بن سعد ، فإن فيه : أن الله لم ينزل من الفجر إلا منفصلا عن قوله : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولما وقع لهم الإشكال حينئذ أنزل الله تعالى : [ ص: 148 ] من الفجر رافعا لذلك الإشكال ، وكأن الحديثين واقعتان في وقتين .

                                                                                              ويصح الجمع بأن يكون حديث عدي متأخرا عن حديث سهل ، وأن عديا لم يسمع ما جرى في حديث سهل ، وإنما سمع الآية مجردة ، ففهمها على ما قررناه ، فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن الخيط الأبيض كناية عن بياض الفجر ، والخيط الأسود كناية عن سواد الليل ، وأن معنى ذلك أن يفصل أحدهما عن الآخر . وعلى هذا فيكون من الفجر متعلقا في يتبين

                                                                                              وعلى مقتضى حديث سهل يكون في موضع الحال متعلقا بمحذوف ، وهكذا هو معنى جوابه في حديث سهل ، ويحتمل أن يكون الحديثان قضية واحدة . وذكر بعض الرواة : من الفجر متصلا بما قبله ، كما ثبت في القرآن وإن كان قد نزل متفرقا ; كما بينه حديث سهل ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله : ( إني جعلت تحت وسادتي عقالين ) ; إنما جعلهما تحت وساده لاعتنائه بهما ، ولينظر إليهما وهو على فراشه من غير كلفة قيام ولا طلب ، فكان يرفع الوساد إذا أراد أن ينظر إليهما . والعقال : الخيط . سمي بذلك : لأنه يعقل به ; أي : يربط به ويحبس .

                                                                                              وقوله : ( إن وسادك لعريض ) ; حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم ، وكأنه فهم منه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه . وربما عضدوا هذا بما روي : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له : (إنك لعريض القفا) ، وليس الأمر [ ص: 149 ] كذلك ; فإنه حمل اللفظ على حقيقته اللسانية ; إذ هي الأصل ; إذ لم يتبين له دليل التجوز . ومن تمسك بهذا الطريق لم يستحق ذما ، ولا ينسب إلى جهل ، وإنما عنى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم : أن وسادك إن غطى الخيطين اللذين أراد الله ، اللذين هما الليل والنهار ، فهو إذا وساد عريض واسع ; إذ قد شملهما وعلاهما ، ألا تراه قد قال على إثر ذلك : ( إنما هو سواد الليل وبياض النهار ) ; فكأنه قال : فكيف يدخلان تحت وساد ؟ ! وإلى هذا يرجع قوله : (إنك لعريض القفا) ; لأن هذا الوساد الذي قد غطى الليل والنهار بعرضه لا يرقد عليه ، ولا يتوسده إلا قفا عريض ، حتى يناسب عرضه عرضه ، وهذا عندي أشبه ما قيل فيه وأليق . [ويدل أيضا عليه : ما زاده البخاري قال : (إن وسادك إذا لعريض إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك) ، وقد أكثر الناس فيه .




                                                                                              الخدمات العلمية