الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              163 (36) باب

                                                                                              لا يغتر بعمل عامل حتى ينظر بما يختم له

                                                                                              [ 88 ] عن سهل بن سعد الساعدي ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم ، وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما إنه من أهل النار ، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه أبدا ، قال : فخرج معه ، كلما وقف وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه ، قال : فجرح الرجل جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه بالأرض ، وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أشهد أنك رسول الله ، قال : وما ذاك ؟ قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك ، فقلت : أنا لكم به ، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه بالأرض ، وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة - فيما يبدو للناس - وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار - فيما يبدو للناس - وهو من أهل الجنة .

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 135 ) ، والبخاري ( 4202 ) ، ومسلم ( 112 ) .

                                                                                              [ ص: 317 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 317 ] (36) ومن باب : لا يغتر بعمل عامل حتى ينظر بما يختم عليه

                                                                                              (قوله : " لا يدع لهم شاذة ولا فاذة ") الشاذ : الخارج عن الجماعة ، والفاذ : المنفرد ، وأنث الكلمتين على جهة المبالغة ; كما قالوا : علامة ، ونسابة ; قال ابن الأعرابي : يقال : فلان لا يدع لهم شاذة ولا فاذة : إذا كان شجاعا لا يلقاه أحد . وفيه من الفقه : ما يدل على جواز الإغياء في الكلام والمبالغة فيه ، إذا احتيج إليه ، ولم يكن ذلك تعمقا ولا تشدقا .

                                                                                              و (قوله : " ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ") كذا صحت روايتنا فيه رباعيا مهموزا ، ومعناه : ما أغنى ولا كفى . وفي الصحاح : أجزأني الشيء : كفاني ، وجزى عني هذا الأمر ، أي : قضى ; ومنه قوله : لا تجزي نفس عن نفس شيئا أي : لا تقضي ، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - لأبي بردة : تجزي عنك ، ولا تجزي عن أحد بعدك ، قال : وبنو تميم يقولون : أجزأت عنك شاة ، بالهمز . وقال أبو عبيد : جزأت بالشيء وأجزأت ; أي : اكتفيت به ، وأنشد :

                                                                                              [ ص: 318 ]

                                                                                              فإن اللؤم في الأقوام عار وإن المرء يجزى بالكراع

                                                                                              وفلان ، قيل : هو قزمان . ونصل السيف : حديدته كلها ، وأنشدوا :


                                                                                              كالسيف سل نصله من غمده

                                                                                              . . . . . . . . . ويقال عليها : منصل ، والمراد بالنصل في هذا الحديث : طرف النصل الأسفل الذي يسمى : القبيعة ، والرئاس . وذبابه : طرفه الأعلى المحدد المهلل ، وظبتاه وغرباه : حداه ، وصدر السيف : من مقبضه إلى مضربه ، ومضربه : موقع الضرب منه ، وهو دون الذباب بشبر .

                                                                                              و (قوله : " فأعظم الناس ذلك ") أي : عظموه وكبر عليهم ; وإنما كان ذلك ; لأنهم نظروا إلى صورة الحال ، ولم يعرفوا الباطن ولا المآل ، فأعلم العليم الخبير البشير النذير بمغيب الأمر وعاقبته ، وكان ذلك من أدلة صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحة رسالته ، ففيه التنبيه على ترك الاعتماد على الأعمال ، والتعويل على فضل ذي العزة والجلال .

                                                                                              [ ص: 319 ] و (قوله : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ") دليل على أن ذلك الرجل لم يكن مخلصا في جهاده ، وقد صرح الرجل بذلك فيما يروى عنه أنه قال : إنما قاتلت عن أحساب قومي ، فيتناول هذا الخبر أهل الرياء . فأما حديث أبي هريرة الذي قال فيه : إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ، ثم يختم له بعمل أهل النار فيدخلها : فإنما يتناول من كان مخلصا في أعماله ، قائما بها على شروطها ، لكن سبقت عليه سابقة القدر ، فبدل به عند خاتمته ; كما يأتي بحقيقته في كتاب القدر ، إن شاء الله تعالى .




                                                                                              الخدمات العلمية