الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1951 [ 1022 ] وعنها قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: هل عندكم شيء ؟ فقلنا: لا قال: فإني إذا صائم ، ثم أتانا يوما آخر ، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس فقال: أرينيه ، فلقد أصبحت صائما فأكل .

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 49)، ومسلم (1154) (170)، والترمذي (734)، والنسائي (4 \ 194-195) .

                                                                                              [ ص: 218 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 218 ] (20) ومن باب: من أصبح صائما متطوعا ثم يفطر

                                                                                              قوله - وقد سأل - : ( هل عندهم طعام ؟ فقيل : لا ، فقال : إني صائم ) ; حجة لمن قال : إن صوم التطوع يصح بغير نية تبيت ، كما قدمنا الخلاف فيه ، ولا حجة فيه ; إذ يحتمل أن سؤاله أولا : هل عندهم شيء ؟ كان لضعفه عن الصوم فاحتاج إلى الفطر ، فسأل ، فلما لم يجد بقي على ما قدم من صومه ، أو سأل عن ذلك وهو صائم ليعلم هل عندهم ما يحتاج إليه عند إفطاره فتسكن نفسه إليه ، فلا يحتاج إلى تكلف اكتسابه ، ويحتمل أن يكون قوله: ( أنا صائم ) ; أي : لم آكل بعد شيئا ، فيكون صائما لغة .

                                                                                              و ( الزور ) : الزوار ، قال ابن دريد : وهو ما يكون الواحد والجماعة فيه سواء . وقيل : الزور : المصدر ، وبه سمي الواحد والاثنان والجميع ، كما قالوا : رجل صوم وقوم صوم وعدل ، ونحوه للخطابي .

                                                                                              و ( الحيس ) قال فيه الهروي : هو ثريدة من أخلاط . قال ابن دريد : هو التمر مع الأقط والسمن . قال الشاعر :

                                                                                              [ ص: 219 ]

                                                                                              التمر والسمن جميعا والأقط الحيس إلا أنه لم يختلط .

                                                                                              وقولها في هذه الرواية : ( فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهديت لنا هدية ) ; ظاهره : أن هذا وما قبله كان في يوم واحد ، وليس كذلك ، بدليل : ما جاء في الرواية الأخرى الآتية : ( ثم أتانا يوما آخر ) ، وذكر نحوه .

                                                                                              وقوله : ( قد كنت أصبحت صائما ، فأكل ) ; حجة لمن قال : إن صائم النافلة يجوز أن يفطر فيه ، وأن يخرج منه . وهو قول الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق مع جماعة من الصحابة ، مع استحبابهم له إتمامه من غير وجوب . ومنعه ابن عمر وقال : هو كالملاعب بدينه . وهذا مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، والحسن ، والنخعي ، ومكحول ، وألزموه إتمامه إذا دخل فيه . فإن أفطر متعمدا قضاه على [ ص: 220 ] مذهب الملزمين لإتمامه . فلو أفطر ناسيا ، أو مغلوبا ، أو لعذر لم يلزم القضاء ، وأسقط أبو حنيفة القضاء عن الناسي خاصة ، وأوجبه عليه ابن علية . وحكى ابن عبد البر : الإجماع على أن المفطر فيه لعذر لا قضاء عليه ; وكأنه لم يقف على ما ذكر عن ابن علية ، فإنه خلاف شاذ . ويحمل الحديث عند هؤلاء على أنه صلى الله عليه وسلم كان مجهودا .

                                                                                              ومما يستدل به لمالك ومن قال بقوله : حديث النسائي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : أصبحت صائمة أنا وحفصة ، فأهدي لنا طعام فأعجبنا ، فأفطرنا ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فبدرتني حفصة فسألته ؟ فقال : (صوما يوما مكانه) .

                                                                                              وقول مجاهد : ذلك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله ، فإن شاء أمضاها ، وإن شاء أمسكها (قياس) ، ليس بصحيح ، فإن الذي يخرج الصدقة من ماله ولم يعطها للفقير ، ولم يعينها ، لم يدخل في عمل يجب إتمامه ، بخلاف الصائم ; فإنه قد دخل في عمل الصوم ، وقد تناوله نهي قوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم ; وإنما يدخل في عمل الصدقة بدفعها لمستحقها ، أو بتعيينها ، وحينئذ تجب للفقير ، ويحرم على مخرجها الرجوع فيها ، وأخذها منه ، فأما قبل [ ص: 221 ] ذلك فغاية ما عنده نية الصدقة ; لا الدخول فيها ، فافترق الفرع من الأصل ، ففسد القياس .




                                                                                              الخدمات العلمية