الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2413 [ 1213 ] وعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي ، حين تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد رخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب" . فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ، إن الحرم لا يعيد عاصيا ولا فارا بخربة.

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 31 ) والبخاري (1832)، ومسلم (1354).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وأبو شريح : هو خويلد بن عمرو ، وكذلك سماه البخاري ومسلم ، وقال محمد بن سعد : خويلد بن صخر بن عبد العزيز . وقال أبو بكر البرقاني : اسمه كعب .

                                                                                              وقوله " وهو يبعث البعوث إلى مكة " ، البعوث جمع بعث ، وهي الجيوش أو السرايا ، ويعني بها هنا الجيوش التي وجها يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن الزبير ، وذلك أنه لما توفي معاوية وجه يزيد إلى عبد الله يستدعي منه بيعته ، فخرج إلى مكة ممتنعا من بيعته يحرض الناس على بني أمية ، فغضب يزيد ، وأرسل إلى مكة يأمر واليها يحيى بن حكيم بأخذ بيعة عبد الله ، فبايعه وأرسل إلى يزيد ببيعته ، فقال : لا أقبل حتى يؤتى به في وثاق ! فأبى [ ص: 474 ] ابن الزبير وقال : أنا عائذ بالبيت . فأبى يزيد ، وكتب يزيد إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إليه جندا ، فبعث إليه هذه البعوث .

                                                                                              وقوله " إن الله حرم مكة ، ولم يحرمها الناس " ; يعني أنه حرمها ابتداء من غير سبب يعزى إلى أحد ولا مقدمة ، ولا لأحد فيه مدخل ; لا نبي ولا عالم ولا مجتهد . وأكد ذلك المعنى بقوله " ولم يحرمها الناس " ، لا يقال : فهذا يعارضه قوله في الحديث الآخر " اللهم إن إبراهيم حرم مكة ، وإني أحرم المدينة " ; لأنا نقول : إنما نسب الحكم هنا لإبراهيم لأنه مبلغه ، وكذلك نسبته لنبينا صلى الله عليه وسلم ، كما قد ينسب الحكم للقاضي لأنه منفذه ، والحكم لله العلي الكبير بحكم الأصالة والحقيقة .

                                                                                              وقول عمرو بن سعيد " إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ، ولا فارا بخربة " ، روايتنا " بخربة " بفتح الخاء ، وهي المشهورة الصحيحة ، وضبطه الأصيلي بالضم ، وكذلك قاله الخليل ، وفسرت بالسرقة وبالفساد في الأرض . والخارب : [ ص: 475 ] اللص المفسد ، وقيل : سارق الإبل خاصة . قال أبو الفرج بن الجوزي : انعقد الإجماع على أن من جنى في الحرم يقاد منه فيه ولا يؤمن ; لأنه هتك حرمة الحرم ورد الأمان . واختلف فيمن ارتكب جناية خارج الحرم ثم لجأ إليه ; فروي عن أبي حنيفة وأحمد أنه لا يقام عليه الحد فيه ويلجأ إلى الخروج إلى الحل ، ويمنع المعاملة والمبايعة حتى يضطر إلى الخروج ، فيخرج إلى الحل فيقام عليه الحد فيه .

                                                                                              وقول عمرو بن سعيد لأبي شريح " أنا أعلم بذلك منك " ليس بصحيح للذي تمسك به أبو شريح ، ولما في حديث ابن عباس كما قدمناه ، وحاصل قول عمرو أنه تأويل غير معضود بدليل .




                                                                                              الخدمات العلمية