الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              206 (47) باب

                                                                                              في رفع الأمانة والإيمان من القلوب ، وعرض الفتن عليها

                                                                                              [ 112 ] عن حذيفة ، قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين ، قد رأيت أحدهما ، وأنا أنتظر الآخر ; حدثنا : أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن ، فعلموا من القرآن ، وعلموا من السنة ، ثم حدثنا عن رفع الأمانة ، قال : ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل الوكت ، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل المجل ، كجمر دحرجته على رجلك ، فنفط ، فتراه منتبرا وليس فيه شيء ، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله ، فيصبح الناس يتبايعون ، لا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، حتى يقال : إن في بني فلان رجلا أمينا ، حتى يقال للرجل : ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان .

                                                                                              ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت ، لئن كان مسلما ليردنه علي دينه ، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه ، وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا.


                                                                                              رواه أحمد ( 5 \ 383 ) ، والبخاري ( 6497 ) ، ومسلم ( 143 ) ، والترمذي ( 2180 ) ، وابن ماجه ( 4053 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (47) ومن باب رفع الأمانة والإيمان من القلوب

                                                                                              (قوله : " إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ") جذر الشيء - بالجيم المفتوحة - : أصله ; على قول الأصمعي ، وحكى أبو عمرو كسرها ، قال أبو عبيد : [ ص: 356 ] الجذر : الأصل من كل شيء . ومعنى إنزالها في القلوب : أن الله تعالى جبل القلوب الكاملة على القيام بحق الأمانة ; من حفظها واحترامها ، وأدائها لمستحقها ، وعلى النفرة من الخيانة فيها ; لتنتظم المصالح بذلك ، لا لأنها حسنة في ذاتها ; كما يقوله المعتزلة ; على ما يعرف في موضعه .

                                                                                              والأمانة : كل ما يوكل إلى الإنسان حفظه ويخلى بينه وبينه ; ومن هنا سمي التكليف أمانة في قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال [ الأحزاب : 72 ] في قول كثير من المفسرين .

                                                                                              والوكت : الأثر اليسير ; يقال للبسر إذا وقعت فيه نكتة من الأرطاب : قد وكت ; قاله الهروي ، وقال صاحب العين : الوكت ، بفتح الواو : نكتة في العين ، وعين موكوتة ، والوكت : سواد العين .

                                                                                              والمجل : هو أن يكون بين الجلد واللحم ماء ، يقال : مجلت يده تمجل مجلا ، بكسر الجيم في الماضي وفتحها في المضارع ، ومجلت ، بالفتح في الماضي ، والكسر في المضارع ، أي : تنفطت من العمل .

                                                                                              ومنتبرا : منتفخا ، وأصله : الارتفاع ، ومنه : انتبر الأمير : إذا صعد المنبر ; [ ص: 357 ] وبه سمي المنبر ، ونبر الجرح ، أي : ورم ، والنبر : نوع من الذباب يلسع ; ومنه سمي الهمز : نبرا ، وكل شيء ارتفع : فقد نبر ، وقال أبو عبيد : منتبرا : منتفطا . و " لا يكاد " أي : لا يقارب . و " ما أجلده! " أي : ما أقواه! . و " ما أظرفه! " أي : ما أحسنه! والظرف عند العرب : في اللسان والجسم ، وهو حسنهما ، وقال ابن الأعرابي : الظرف في اللسان ، والحلاوة في العين ، والملاحة في الفم ، وقال المبرد : الظريف : مأخوذ من الظرف ، وهو الوعاء ، كأنه جعل وعاء للآداب ، وقال غيره : يقال منه : ظرف يظرف ظرفا ، فهو ظريف ، وهم ظرفاء ، وإنما يقال في الفتيان والفتيات أهل الخفة .

                                                                                              و (قوله : " لا أبالي أيكم بايعت ") يعني : من البيع ، لا من المبايعة ; لأن اليهودي والنصراني لا يبايع بيعة الإسلام ، ولا بيعة الإمامة ، وإنما يعني : أن الأمانة قد رفعت من الناس ، فقل من يؤمن على البيع والشراء . وقد قدمنا أن أصل الفتنة : الامتحان والاختبار ، ثم صارت في العرف عبارة عن : كل أمر كشفه الاختبار عن سوء ; قال أبو زيد : فتن الرجل فتونا : إذا وقع في الفتنة ، وتحول عن حال حسنة إلى حال سيئة ، والأهل والمال والولد أمور يمتحن الإنسان بها ، ويختبر [ ص: 358 ] عندها ; كما قال الله تعالى : إنما أموالكم وأولادكم فتنة [ التغابن : 15 ] أي : محنة تمتحنون بها حتى يظهر منكم ما هو خفي عمن يشكل عليه أمركم .




                                                                                              الخدمات العلمية