الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3289 (6) باب

                                                                                              في قوله تعالى : يسألونك عن الأنفال

                                                                                              [ 1265 ] عن مصعب بن سعد ، عن أبيه قال: نزلت في أربع آيات: أصبت سيفا ، فأتيت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله ، نفلنيه ، قال: ضعه. ثم قام . فقال: نفلنيه يا رسول الله! أو أجعل كمن لا غناء له؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ضعه من حيث أخذته". قال: فنزلت هذه الآية: يسألونك عن الأنفال ......... قل الأنفال لله والرسول الآية [الأنفال: 1] .

                                                                                              رواه أحمد ( 1 \ 185 )، ومسلم (1748) (34)، وأبو داود (208)، والترمذي (3189).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (6) ومن باب: قوله تعالى : يسألونك عن الأنفال [الأنفال: 1]

                                                                                              قول سعد : ( نزلت في أربع آيات ) ، ولم يذكر غير آية واحدة هنا ، وقد جاءت الثلاثة الباقية مبينة في كتاب مسلم ، وسيأتي .

                                                                                              وقوله : ( نفلنيه ) ; أي : أعطني إياه . قال لبيد :


                                                                                              إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي والعجل

                                                                                              ومنه سمي الرجل نوفلا لكثرة عطائه. ويكون النفل أيضا: الزيادة. ومنه نوافل الصلوات ، وهي الزوائد على الفرائض .

                                                                                              [ ص: 535 ] وقوله : ( أو أجعل كمن لا غناء له ) ; الرواية الصحيحة بفتح الواو ، ومن سكنها غلط ; لأنها الواو الواقعة بعد همزة الاستفهام ، ولا تكون إلا مفتوحة . وأما (أو) الساكنة : فلا تكون إلا لأحد الشيئين. وهذا الاستفهام من سعد على جهة الاستبعاد والتعجب من أن ينزل من ليس في شجاعته منزلته ، لا على جهة الإنكار ، لأنه لا يصح ، ولا يحل الإنكار على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا سيما ممن يكون في منزلة سعد ، ومعرفته بحق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واحترامه له .

                                                                                              و ( الغناء ) بفتح الغين ، والمد : النفع . و (الغنى) - بكسر الغين والقصر - : كثرة المال .

                                                                                              وقوله : ( فنزلت هذه الآية : يسألونك عن الأنفال [الأنفال: 1] ; يقتضي أن يكون ثم سؤال عن حكم الأنفال ، ولم يكن هنالك سؤال عن ذلك على ما يقتضيه هذا الحديث ، ولذلك قال بعض أهل العلم : إن (عن) صلة . ولذلك قرأ ابن مسعود بغير (عن) : (يسألونك عن الأنفال) . وقال بعضهم : إن (عن) بمعنى (من) ; لأنه إنما سأل شيئا معينا ، وهو السيف ، وهو من الأنفال .

                                                                                              و (الأنفال) : جمع نفل - بفتح الفاء - ; كجمل وأجمال ، ولبن وألبان .

                                                                                              وقد اختلف في المراد بالأنفال هنا في الآية ; هل هي الغنائم ؟ لأنها عطايا ، أو هي مما ينفل من الخمس بعد القسم ؟ وكذلك اختلف في أخذ سعد لهذا السيف ; هل كان أخذه له من القبض قبل القسم ، أو بعد القسم ؟ وظاهر قوله : ( ضعه حيث أخذته ) : أنه قبل القسم; لأنه لو كان أخذه له بعد القسم لأمره أن يرده إلى من صار إليه في القسم .

                                                                                              [ ص: 536 ] وقوله تعالى : قل الأنفال لله والرسول [الأنفال: 1]; ظاهره إن حملنا الأنفال على الغنائم ; أن الغنيمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليست مقسومة بين الغانمين . وبه قال ابن عباس وجماعة . ورأوا : أنها منسوخة بقوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية [الأنفال: 41]، وظاهرها : أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين . وقد روي عن ابن عباس أيضا : أنها محكمة ، غير منسوخة ، وأن للإمام أن ينفل من الغنائم ما شاء لمن شاء ; لما يراه من المصلحة . وقيل : هي مخصوصة بما شذ من المشركين إلى المسلمين من : عبد ، أو أمة ، أو دابة . وهو قول عطاء ، والحسن . وقيل : المراد بها : أنفال السرايا . والأولى : أن الأنفال المذكورة في هذه الآية هي ما ينفله الإمام من الخمس ; بدليل قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولا يصح الحكم بالنسخ ; إذ الجمع بين الآيتين ممكن ، ومتى أمكن الجمع فهو أولى من النسخ ، باتفاق الأصوليين . وقال مجاهد في الآية : إنها محكمة ، غير منسوخة ، وإن المراد بالأنفال : ما ينفله الإمام من الخمس . وعلى هذا : فلا نفل إلا من الخمس ، ولا يتعين الخمس إلا بعد قسمة الغنيمة خمسة أخماس ، وهو المعروف من مذهب مالك ، وقد روي عن مالك : أن الأنفال من خمس الخمس . وهو قول ابن المسيب ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، والطبري . وأجاز الشافعي النفل قبل إحراز الغنيمة ، وبعدها . وهو قول أبي ثور ، والأوزاعي ، وأحمد ، والحسن البصري .

                                                                                              وقوله تعالى : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين [الأنفال: 1] ; أي : أصلحوا فيما بينكم ، وأطيعوا الله ورسوله فيما أمركم [ ص: 537 ] به من الرضا بما قسم لكم إن كنتم محققين إيمانكم . وهذا يدل على أنهم وقع فيما بينهم شنآن ومنافرة بسبب الغنيمة . ويدل على هذا : ما رواه أبو أمامة الباهلي قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال؟ فقال : فينا - أصحاب بدر - نزلت حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، وجعله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقسمه علينا على بواء ; أي : على سواء . وعن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر : (من فعل كذا ، فله كذا) ، فتسارع الشبان ، وثبت الشيوخ مع الرايات ، فلما فتح لهم ، جاء الشبان يطلبون ما جعل لهم ، فقال لهم الأشياخ : لا تذهبون به دوننا ، فقد كنا ردءا لكم ، فأنزل الله تعالى : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم




                                                                                              الخدمات العلمية