الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3491 (41) باب

                                                                                              في قوله تعالى : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام الآية

                                                                                              [ 1354 ] عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال الآخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت واستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام الآية إلى آخرها [التوبة: 19].

                                                                                              رواه مسلم (1879).

                                                                                              [ ص: 720 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 720 ] (41) ومن باب: قوله تعالى : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر [التوبة : 19]

                                                                                              ( السقاية ) : مصدر كالسعاية والحماية ، وهو على الحذف ; أي : أجعلتم صاحب سقاية الحاج مثل من آمن بالله ، وجاهد في سبيله ; ويصح أن يقدر الحذف في : (من آمن) ; أي : أجعلتم عمل سقي الحاج كعمل من آمن؟ . و ( الحاج ) : اسم جنس الحجاج . و ( عمارة المسجد الحرام ) : معاهدته ، والقيام بمصالحه .

                                                                                              وظاهر هذه الآية أنها مبطلة قول من افتخر من المشركين بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، كما ذكره السدي . قال : افتخر عباس بالسقاية ، وشيبة بالعمارة ، وعلي بالإسلام والجهاد ، فصدق الله عليا وكذبهما ، وهذا واضح . وأما حديث النعمان هذا فمشكل على مساق الآية ، فإنه يقتضي أنها إنما نزلت عند اختلاف المسلمين في الأفضل من هذه الأعمال ، وحينئذ لا يصلح أن يكون قوله تعالى : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله [التوبة: 19] ; نزل جوابا لذلك ، فإن أولئك [ ص: 721 ] المسلمين لم يختلفوا في أن الإيمان مع الجهاد أفضل من مجرد السقاية والعمارة ، وإنما اختلفوا في أي الأعمال أفضل بعد الإسلام ، وقد نصوا على ذلك في الحديث . وأيضا : فلا يليق أن يقال لهم في هذا الذي اختلفوا فيه : والله لا يهدي القوم الظالمين كما قال في آخر الآية . وأيضا : فإن الآيات التي قبل هذه الآية من قوله تعالى : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله [التوبة: 17 - 18] تدل على أن الخطاب مع المشركين ، فتعين الإشكال ، فلينظر في التخلص منه . ويمكن أن يتخلص منه بأن يقال : إن بعض الرواة تسامح في قوله : فأنزل الله الآية . وإنما قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- على عمر الآية حين سأله ، فظن الراوي أنها نزلت حينئذ ، وإنما استدل بها النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن الجهاد أفضل مما قال أولئك الذين سمعهم عمر ، فاستفتى لهم ، فتلا عليه ما كان قد أنزل عليه في المشركين ، لا أنها نزلت في هؤلاء . فيبقى أن يقال : فكيف يستدل بما أنزل في المشركين في حالة مخصوصة على مثل ذلك المعنى في المسلمين ، وهم مخالفون لهم في تلك الحال ؟

                                                                                              والجواب : أن هذا لا بعد فيه. فقد تنتزع مما أنزل في المشركين أحكام تليق في المسلمين ، كما قد فعله عمر ، حيث قال : أما إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق وشواء وتوضع صحفة ، وترفع أخرى ، ولكنا سمعنا قوله تعالى : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها [الأحقاف: 20] وهذه الآية نص في أنها للكفار ، ومع ذلك ففهم عمر منها الزجر عما يناسب أحوالهم بعض المناسبة ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، فيمكن أن تكون هذه الآية من هذا النوع ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية