الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3522 [ 1370 ] وعن أنس قال: جاء ناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء -فيهم خالي حرام- يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا ، أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، قال: وأتى رجل حراما - خال أنس- من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: " إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا ، أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا" .

                                                                                              رواه أحمد ( 1 \ 416 )، ومسلم (677) في الإمارة (147).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : ( فبعث إليهم سبعين رجلا ) ; هؤلاء السبعون هم الذين استشهدوا ببئر معونة ، غدر بهم قبائل من سليم مع عدو الله عامر بن الطفيل ، فاستصرخوا عليهم ، فقتلوهم عن آخرهم إلا رجلين ، ولم يصب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا المسلمون بمثلهم رضي الله عنهم .

                                                                                              و ( الصفة ) : بيت في المسجد مقتطع عنه. وفيه دليل على جواز استيطان الغرباء والفقراء مكانا من المسجد ، وعلى وضع الماء فيه للشرب وغيره ، وعلى [ ص: 741 ] الاجتماع على قراءة القرآن ومدارسة العلم ، وعلى أن المتفرغ للعبادة وطلب العلم لا يخل بحاله ، ولا ينقص توكله اشتغاله بالنظر في مطعمه ، ومشربه ، وحاجته ; كما يذهب إليه بعض جهال المتزهدة .

                                                                                              وفيه دليل على أن أيدي الفقراء غير المتفرغين للعبادة فيما يكسبه بعضهم ينبغي أن تكون واحدة ، ولا يستأثر بعضهم على الآخر بشيء .

                                                                                              وقولهم : ( إنا قد لقيناك ) ; أي : قد وصلنا إلى ما أنعمت به من الجنة ، والكرامة ، ومنزلة الشهادة ; لأن لقاء الله ليس على ما تعارفنا من لقاء بعضنا لبعض .

                                                                                              وقوله : ( فرضينا عنك ) ; أي : بما أوصلتنا إليه من الكرامة والمنزلة الرفيعة . و ( رضيت عنا ) ; أي : أحللتنا محل من ترضى عنه ، فأكرم غاية الإكرام ، وأحسن إليه غاية الإحسان . وعلى هذا : فيكون رضا الله تعالى من صفات الأفعال . ويصح أن يعبر بالرضا في حق الله تعالى عن إرادة الإكرام والإحسان ; فيكون من صفات الذات .

                                                                                              وقول حرام عندما طعن : ( فزت ورب الكعبة ) ; أي : بما أعد الله للشهداء .

                                                                                              [ ص: 742 ] وظاهره : أنه عاين منزلته في الجنة في تلك الحالة . ويحتمل أن يقول ذلك محققا لوعد الله ورسوله الحق الصدق ، فصار كأنه عاين . والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية