الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3406 (4) باب

                                                                                              فضل الإمام المقسط وإثم القاسط

                                                                                              وقوله: " كلكم راع "

                                                                                              [ 1405 ] عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 160 )، ومسلم (1827)، والنسائي ( 8 \ 221 ).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (4) ومن باب: فضل الإمام المقسط وإثم القاسط

                                                                                              " المقسطون " جمع مقسط، اسم فاعل من أقسط؛ أي: عدل. ومنه قوله تعالى: وأقسطوا إن الله يحب المقسطين [الحجرات: 9].

                                                                                              وقسط: إذا جار، واسم الفاعل منه: قاسط. ومنه: وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا [الجن: 15].

                                                                                              وقد فسر المقسطين في آخر الحديث فقال: " الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ".

                                                                                              والمنبر سمي بذلك لارتفاعه؛ يقال: نبر الجرح وانتبر - أي ارتفع وانتفخ، ويعني به مجلسا رفيعا يتلألأ نورا، ويحتمل أن يكون عبر به عن المنزلة الرفيعة المحمودة، ولذلك قال: " عن يمين الرحمن "، وقال ابن عرفة : يقال: أتاه عن يمين: إذا أتاه من الجهة المحمودة.

                                                                                              وقال المفسرون في قوله تعالى: وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين أي: أصحاب المنزلة الرفيعة، وقيل غير هذا في الآية.

                                                                                              وقد شهد العقل والنقل: أن الله تعالى منزه عن مماثلة الأجسام وعن [ ص: 23 ] الجوارح المركبة من الأعصاب والعظام، وما جاء في الشريعة مما يوهم شيئا من ذلك فهو توسع واستعارة حسب عادات مخاطباتهم الجارية على ذلك.

                                                                                              وقد توسعت العرب في اليمين فأطلقوه ولا يريدون به يمين الجارحة، بل الجهة المحمودة والظفر بالخصلة الشريفة المقصودة، كما قال شاعرهم:


                                                                                              إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين



                                                                                              والمجد: الشرف. ورايته عبارة عما يظهر من خصاله، وهما معنويان؛ فاليمين التي تتلقى به تلك الراية معنوي لا محسوس، فأشبه ما يحمل عليه اليمين في هذا الحديث ما قاله ابن عرفة : إنه عبارة عن المنزلة الرفيعة والدرجة المنيعة. وقد قدمنا أن اشتقاق اليمين من اليمن، وأن كل ذلك راجع إلى اليمن والبركة.

                                                                                              وقوله: " وكلتا يديه يمين " تحرز عن توهم نقص وضعف فيما أضافه إلى الحق سبحانه وتعالى مما قصد به الإكرام والتشريف على ما مر؛ وذلك: أنه لما كانت اليمين في حقنا يقابلها الشمال - وهي أنقص منها رتبة وأضعف حركة وأثقل لفظا - حسم توهم مثل هذه في حق الله تعالى، فقال: " وكلتا يديه يمين "؛ أي: كل ما نسب إليه من ذلك شريف محمود لا نقص يتوهم فيه ولا قصور.




                                                                                              الخدمات العلمية