الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              247 [ 137 ] وعن عبد الله بن عمر ، قال : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس - المسيح الدجال ، فقال : إن الله ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية . قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أراني الليلة في المنام عند الكعبة ، فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من أدم الرجال ، تضرب لمته بين منكبيه ، رجل الشعر ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو بينهما يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : المسيح ابن مريم . ورأيت وراءه رجلا جعدا قططا ، أعور العين اليمنى ، كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن ، واضعا يديه على منكبي رجلين ، يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا المسيح الدجال .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 37 و 131 ) ، والبخاري ( 3439 ) و ( 7407 ) ، ومسلم ( 169 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              والمسيح ابن مريم لا خلاف أنه بفتح الميم ، وكسر السين مخففة . وأما المسيح الدجال ، فتقييده عند أكثر العلماء مثل الأول ، وقيده أبو إسحاق بن جعفر : بكسر الميم وتشديد السين ، وقاله كذلك غير واحد . وبعضهم يقوله كذلك بالخاء المنقوطة ، وبعضهم يقول : مسيح بفتح الميم وبالحاء والتخفيف . واختلف في المسيح ابن مريم مماذا أخذ ؟ فقيل : لأنه مسح الأرض ; أي : ذهب فيها ، فلم يسكن بكن . وقيل : لأنه ممسوح بدهن البركة . وقيل : لأنه كان ممسوح الأخمصين .

                                                                                              [ ص: 399 ] وقيل : لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ . وقيل : لأن الجمال مسحه ; أي : أصابه وظهر عليه . وقال ابن الأعرابي : المسيح : الصديق ، وبه سمي عيسى ، وقيل : هو اسم سماه الله تعالى به ; أي : أنه غير مشتق . وأما الدجال ، فسمي مسيحا ; لأنه ممسوح العين اليمنى ، وقيل : لأنه مسح الأرض ; أي : قطعها بالذهاب . ومن قاله بالخاء فمن المسخ .

                                                                                              و (قوله : " بين ظهراني الناس ") أي : في الناس ومعهم ، يقال : ظهراني بنون وبغير نون ، وظهور ، كلها بمعنى واحد .

                                                                                              و (قوله في هذا الحديث : " أعور العين اليمنى ") هذا هو الصحيح والمشهور ، وقد وقع في رواية : " اليسرى " ، وكأنه وهم ، ويمكن أن يحمل هذا على ما يتخيله بعض العامة من أن العوراء هي الصحيحة ; إذ قد بقيت منفردة عديمة قرينتها ، وليس بشيء ، بل العوراء التي أصابها العور ; أي : العيب .

                                                                                              و (قوله : " طافية ") بغير همز ، وعليه أكثر الروايات ، وهكذا قال الأخفش ، ومعناه أنها ممتلئة قد طفت وبرزت ، وقد روي بالهمز ; أي : قد ذهب ضوؤها وتقبضت ، ويؤيد هذه الرواية قوله في أخرى : أنه ممسوح العين ، وأنها ليست جحرا ولا ناتئة وأنها مطموسة ، وهذه صفة حبة العنب إذا طفئت وزال ماؤها ، وبهذا فسره عيسى بن دينار .

                                                                                              [ ص: 400 ] وقوله في وصف عيسى : " آدم " من الأدمة ، وهو لون فوق السمرة ودون السحمة بالسين المهملة ، وكأن الأدمة يسير سواد يضرب إلى الحمرة ، وهو غالب ألوان العرب . ولهذا جاء في أخرى في وصف عيسى : " إنه أحمر " مكان " آدم " وعلى هذا يجتمع ما في الروايتين . وقد روى البخاري من رواية أبي هريرة في صفة عيسى : " أنه أحمر ، كأنما خرج من ديماس " ، وقد أنكر ابن عمر هذا وحلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقله .

                                                                                              و " اللمة " بكسر اللام : الشعر الواصل إلى المنكب ، كأنه ألم به ; أي : نزل . و " الجمة " : الشعر الواصل إلى شحمة الأذن ، وهو أيضا الوفرة . و " الرجل " : فوق السبط ودون الجعد ، وهو الذي فيه يسير تكسر . و " الجعد " الكثير التكسر والتقبض . و " القطط " - بفتح الطاء وكسرها - : هو الشديد الجعودة الذي لا يطول إلا إذا جبذ ، كشعور غالب السودان ، وهو من وصف الدجال .

                                                                                              و ( قوله : " يقطر رأسه ماء ") يعني : أنه قريب عهد بغسل ، وكأنه اغتسل للطواف . وفي الرواية الأخرى : " ينطف " ، ومعناه . يقطر . وفي رواية : " قد رجلها " أي : مشطها ، وشعر مرجل ; أي : ممشوط مسرح . والشعر الرجل منه .




                                                                                              الخدمات العلمية