الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2912 [ 1648 ] وعن كعب بن مالك، أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته، ونادى كعب بن مالك فقال: " يا كعب". فقال: لبيك يا رسول الله، قال: فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم فاقضه".

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 390 )، والبخاري (457)، ومسلم (1558) (20)، والنسائي ( 8 \ 244 )، وابن ماجه (2429).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله: إن كعبا تقاضى ابن أبي حدرد دينا في المسجد ) أي: سأل من ابن أبي حدرد أن يقضيه دينه الذي له عليه، فارتفعت أصواتهما بسبب ذلك حتى سمعهما النبي صلى الله عليه وسلم من بيته، ولم ينكر عليهم، فكان ذلك دليلا على استباحة مثل ذلك في المسجد ما لم يتفاحش. فإن تفاحش كان ذلك ممنوعا؛ إذ قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع الأصوات في المساجد.

                                                                                              و (قوله بالإشارة: ( ضع الشطر من دينك ) دليل: على أن الإشارة بمنزلة [ ص: 430 ] الكلام إذا فهمت؛ لأنها دلالة على الكلام كالحروف والأصوات، فتصح شهادة الأخرس، ويمينه، ولعانه، وعقوده إذا فهم ذلك عنه، وهذا منه صلى الله عليه وسلم أمر على جهة الإرشاد إلى الصلح. وهذا صلح على الإقرار؛ لأن نزاعهما لم يكن في أصل الدين، وإنما كان في التقاضي. وهو متفق عليه. وأما الصلح على الإنكار، فهو الذي أجازه مالك ، وأبو حنيفة والشعبي ، والحسن البصري . وقال الشافعي : الصلح على الإنكار باطل. وبه قال ابن أبي ليلى .

                                                                                              و (قوله: قم فاقضه ) أمر على جهة الوجوب؛ لأن رب الدين لما أطاع بوضع ما وضع تعين على المديان أن يقوم بما بقي عليه؛ لئلا يجمع على رب الدين وضيعة ومطل. وهكذا ينبغي أن يبت الأمر بين المتصالحين، فلا يترك بينهما علقة ما أمكن.




                                                                                              الخدمات العلمية