الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              313 [ 158 ] وعن النعمان بن بشير ; قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة ; لرجل توضع في أخمص قدميه جمرتان ، يغلي منهما دماغه .

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 271 و 274 ) ، والبخاري ( 6561 و 6562 ) ، ومسلم ( 213 ) ، والترمذي ( 2607 ) .

                                                                                              [ ص: 457 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 457 ] و (قوله : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة ") هذا المترجى في هذا الحديث قد تحقق وقوعه ; إذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وجدته في غمرات فأخرجته إلى ضحضاح " ، فكأنه لما ترجى ذلك أعطيه وحقق له فأخبر به ، وهل هذه الشفاعة لبيان قول محقق أو لسان حال ؟ اختلف فيه ، فإن تنزلنا على أنه حقيقة ، وأنه - عليه الصلاة والسلام - شفع لأبي طالب بالدعاء والرغبة حتى شفع ، عارضه قوله تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين [ المدثر : 48 ] وقوله : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [ الأنبياء : 28 ] وما في معناه .

                                                                                              والجواب من أوجه ; أقربها : أن الشفاعة المنفية إنما هي شفاعة خاصة ، وهي التي تخلص من العذاب . وغاية ما ذكر من المعارضة إنما هي بين خصوص وعموم . ولا تعارض بينهما ; إذ البناء والجمع ممكن ، وإن تنزلنا على أنه لسان حال ، فيكون معناه . أن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي - صلى الله عليه وسلم - والذب عنه ، خفف عنه بسبب ذلك ما كان يستحقه بسبب كفره مع ما حصل عنده من معرفته صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قدمناه .

                                                                                              ولما كان ذلك بسبب وجود النبي - صلى الله عليه وسلم - وببركة الحنو عليه ; نسبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى نفسه . ولا يستبعد إطلاق الشفاعة على مثل هذا المعنى ، فقد سلك الشعراء هذا المعنى ، فقال بعضهم :


                                                                                              في وجهه شافع يمحو إساءته إلى القلوب وجيه حيثما شفعا

                                                                                              [ ص: 458 ] وقد يورد أيضا على هذا المعنى ، فيقال : هذا إثبات نفع الكافر في الآخرة بما عمله في الدنيا . وقد نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في حديث ابن جدعان الآتي : " لا ينفعه " ، وبقوله : " وأما الكافر ، فيعطى بحسنات ما عمل في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة ، لم تكن له حسنة يجزى بها " .

                                                                                              والجواب من وجهين ; أحدهما : ما تقدم في بناء العام على الخاص . والثاني : أن المخفف عنه لما لم يجد أثرا لما خفف عنه ، فكأنه لم ينتفع بذلك . ألا ترى أنه يعتقد أنه ليس في النار أشد عذابا منه ، مع أن عذابه جمرة من جهنم في أخمصه . وسببه أن القليل من عذاب جهنم - أعاذنا الله منه - لا تطيقه الجبال ، وخصوصا عذاب الكافر . وإنما تظهر فائدة التخفيف لغير المعذب ، وأما المعذب ، فمشتغل بما حل به ; إذ لا يخلى ، ولا بغيره يتسلى ، فيصدق عليه أنه لم ينتفع ، ولم يحصل له نفع ألبتة ، والله أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية