الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3597 [ 1844 ] وعن أسماء قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه.

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 345) ومسلم (1942) وابن ماجه (3190). [ ص: 228 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 228 ] (6) ومن باب إباحة لحوم الخيل

                                                                                              (قول جابر : وأذن في لحوم الخيل ) وفي الرواية الأخرى: ( أكلنا زمن خيبر الخيل )، و(قول أسماء : نحرنا فرسا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلناه ) كلها ظاهرة في إباحة لحوم الخيل ، وبذلك قال الجمهور من الفقهاء، والمحدثين، والسلف، كالحسن ، وعطاء ، وحماد بن أبي سليمان ، وسعيد بن جبير ، والشافعي ، والثوري ، وأبي يوسف ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وابن المبارك .

                                                                                              وذهبت طائفة إلى كراهتها، منهم: ابن عباس ، ومجاهد ، ومالك ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وأبو عبيد : متمسكين بقول الله تعالى: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة [النحل: 8] ويتقرر الاستدلال بها من وجهين:

                                                                                              أحدهما: أن الله تعالى ذكر الأنعام التي هي: البقر، والإبل، والغنم، في صدر الآية، ثم عدد جميع ما ينتفع به منها، ومن جملتها الأكل، ثم ذكر بعدها: الخيل، والبغال، والحمير، وذكر منافعها، ولم يذكر فيها الأكل، فلو كان الأكل جائزا لكان مذكورا فيها; لأن مقصود الآية التذكير بالنعم، وتعديد ما أنعم الله به علينا في هذه الحيوانات من الفوائد، ثم إن الأكل من أهم الفوائد، فلو كان مشروعا فيها لما أغفله مع القصد إلى تعديدها، وذكر الامتنان بآحادها.

                                                                                              الثاني: أن الله تعالى قد سوى بين الخيل، والبغال، والحمير في العطف والنسق، والبغال والحمير لا تؤكل بالاتفاق على ما مر، فالخيل لا تؤكل، ثم اعتذر القائلون بالكراهة عن الحديث بأن ذلك كان في حالة مجاعة وشدة حاجة، [ ص: 229 ] فأباحها لهم، وكانت الخيل بالإباحة أولى من البغال والحمير، لخفة الكراهة فيها، فكانت بالإباحة أولى.

                                                                                              ويستثمر من هذا: أن المضطر مهما وجد شيئين أحدهما أغلظ في المنع، عدل إلى الأخف، واجتنب الأثقل، وكذلك يفعل في المحرمات; إذا كان أحدهما - مثلا - متفقا على تحريمه، والثاني مختلفا فيه، فينبغي للمضطر أن يأكل المختلف فيه.

                                                                                              وقد شذت طائفة منهم، فقالت بتحريم لحوم الخيل. منهم: الحكم بن عتيبة ، وفيه بعد; لأن الآية لا تدل عليه، والأحاديث تخالفه. والله تعالى أعلم.

                                                                                              و(قول جابر : أكلنا يوم خيبر حمر الوحش ) يعني: أنهم صادوها، ولا خلاف في جواز أكلها فيما علمته; لأنها من جملة الصيد الذي أباحه الله تعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.




                                                                                              الخدمات العلمية