الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3666 [ 1866 ] وعن أنس بن مالك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط التمر والزهو، ثم يشرب، وإن ذلك كان عامة خمورهم يوم حرمت الخمر.

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 140) ومسلم (1981) والنسائي (8 \ 291).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قول أنس : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخلط التمر والزهو، ثم يشرب ) ظاهر [ ص: 259 ] في تحريم خلطهما وشربه، وهو مذهب كافة فقهاء الأمصار، وجمهور العلماء، ومالك في أحد قوليه، وفي الثاني الكراهة، وهو مشهور مذهبه. وقد شذ أبو حنيفة ، وأبو يوسف فقالا: لا بأس بخلط ذلك وشربه. وقالا: ما حل مفردا حل مجموعا. وهذه مخالفة للنصوص الشرعية، وقياس فاسد الوضع، ثم هو منتقض بجواز نكاح كل واحدة من الأختين منفردة، والجمع بينهما حرام بالإجماع.

                                                                                              وأعجب من ذلك تأويل أصحابهما للحديث؛ إذ قالوا: إن النهي عن ذلك إنما هو من باب السرف بجمع إدامين، وهذا تغيير وتبديل لا تأويل، ويشهد ببطلانه نصوص أحاديث هذا الباب كلها. ثم إنهم جعلوا الشراب إداما، فعل من ذهل عن الشرع والعادة، وتعامى، وكيف ينهى عن الجمع بين إدامين وقد جمعا على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير مين على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

                                                                                              واختلف القائلون بمنع الخلط في تعليل ذلك وعدمه، فالذي يليق بمذهب أهل الظاهر عدم التعليل، والجمهور يعللونه بخوف إسراع الشدة المسكرة. وعلى هذا: يقصر النهي عن الخلط على كل شيئين يؤثر كل واحد منهما في الآخر إسراع [ ص: 260 ] الشدة إذا خلطا، وهذا هو الذي يفهم من الأحاديث الواردة في هذا الباب; فإنها مصرحة بالنهي عن الخلط للانتباذ والشرب.

                                                                                              وقد أبعد بعض أصحابنا فمنع الخلط وإن لم يكن كذلك، حتى منع خلطهما للتخليل، وهذا إنما يليق بمن لم يعلل النهي عن الخليطين بعلة، ويلزم عليه أن يجري النهي على خلط العسل واللبن، وشراب الورد والبنفسج، والعسل والخل، وغير ذلك. والصواب ما ذهب إليه مالك والجمهور. والله الموفق.




                                                                                              الخدمات العلمية