الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4185 (20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

                                                                                              [ 2096 ] عن عمرو بن الشريد، عن أبيه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم. قال: هيه. فأنشدته بيتا. فقال: هيه. ثم أنشدته بيتا، فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت.

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 388) ومسلم (2255) (1) وابن ماجه (3758). [ ص: 526 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 526 ] (20) ومن باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

                                                                                              قوله: ( عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هكذا صواب هذا السند وصحيح روايته، وقد وقع لبعض رواة كتاب مسلم : عن عمرو بن الشريد ، عن الشريد، عن أبيه، وهو وهم; لأن الشريد هو الذي أردفه النبي - صلى الله عليه وسلم - خلفه، واستنشده شعر أمية بن أبي الصلت ، لا أبو الشريد ، واسم أبي الشريد: سويد .

                                                                                              و(قوله: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء ؟) دليل على جواز حفظ الأشعار ، والاعتناء بها، وإنما المكروه أن يغلب الاشتغال بها على الإنسان، ويكثر منها كثرة تصده عن أهم منها، أو تفضي به إلى تعاطي أحوال مجان الشعراء وسخفائهم، فإن الغالب من أحوال من انصرف إلى الشعر بكليته، وأكثر منه أن يكون كذلك، واستقراء الوجود يحققه.

                                                                                              وأما حفظ فصيح الشعر وجيده المتضمن للحكم والمعاني المستحسنة شرعا وطبعا: فجائز، بل ربما يلحق ما كان منه حكما بالمندوب إليه. وعلى الجملة: فلا أحسن مما قاله الإمام القرشي الصريح: الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.

                                                                                              و(قوله: هيه ) بكسر الهاء الأولى، وسكون الثانية للوقف، وهي: إيه [ ص: 527 ] التي للاستزادة، وأبدل من الهمزة (هاء) كما قد فعلوا ذلك في غير موضع. وهي اسم لفعل الأمر الذي هو: زد. وهي مبنية على الكسر لوقوعها موقع المبني; الذي هو الأمر. وفي الصحاح: إذا قلت: إيه يا رجل; فإنما تأمره بأن يزيدك من حديثه المعهود. وإن قلت: إيه - بالتنوين - كأنك قلت: هات حديثا; لأن التنوين تنكير.

                                                                                              وفيه دليل على جواز إنشاد الشعر، واستنشاده; لكن ما لم ينته إلى الإطراب المخل بالعقل، المزيل للوقار، فإن ذلك يحرم، أو يكره بحسب ما يفضي إليه.

                                                                                              وإنما استكثر النبي - صلى الله عليه وسلم - من شعر أمية ; لأنه كان حكما، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم).




                                                                                              الخدمات العلمية