الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4227 [ 2195 ] وعن جابر أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها، فيسألون الأدم وليس عندهم شيء، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فتجد فيها سمنا، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عصرتيها؟ " قالت: نعم، قال: "لو تركتيها ما زال قائما".

                                                                                              رواه مسلم (2280).

                                                                                              [ 2196 ] وعنه: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم".

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 337 و 347)، ومسلم (2281).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم مثل هذا في غزوة الحديبية على ما رواه جابر ، وفي غزوة بواط من حديث غيره.

                                                                                              و " العكة " للسمن، وهي أصغر من القربة. و " الوسق ": ستون صاعا كما تقدم في الزكاة، ونماء سمن العكة، وشطر وسق الشعير كل ذلك ببركة النبي صلى الله عليه وسلم فيما لمسه، أو تناوله، أو تهمم به، أو برك عليه، وكم له منها، وكم ! ورفع النماء من ذلك عند العصر والكيل سببه - والله أعلم - الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله تعالى، ومواهب كراماته، وكثرة بركاته، والغفلة عن الشكر عليها، والثقة بالذي وهبها، والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة، وهذا نحو مما جرى لبني إسرائيل في التيه، لما أنزل عليهم المن [ ص: 54 ] والسلوى. وقيل: لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله [البقرة: 172] فأطاعوا حرص النفس، فادخروا للأيام، فخنز اللحم، وفسد الطعام.

                                                                                              و (قوله لصاحبة العكة: " لو تركتيها ما زال قائما "، ولصاحب الشطر: " لو لم تكله لقام بكم ") يستفاد منه: أن من أدر عليه رزق، أو أكرم بكرامة، أو لطف به في أمر ما، فالمتعين عليه: موالاة الشكر، ورؤية المنة لله تعالى، ولا يحدث مغيرا في تلك الحالة، ويتركها على حالها. ومعنى رؤية المنة: أن يعلم أن ذلك بمحض فضل الله، وكرمه، لا بحولنا، ولا بقوتنا، ولا استحقاقنا.




                                                                                              الخدمات العلمية