الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5328 [ 2201 ] وعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، وكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري، وعلى غلامه بردة ومعافري، فقال له أبي: يا عم، إني أرى في وجهك سفعة من غضب، قال: أجل، كان لي على فلان ابن فلان الحرامي مال، فأتيت أهله فسلمت فقلت: ثم هو؟ قالوا: لا. فخرج علي ابن له جفر، فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي. فقلت: اخرج إلي، فقد علمت أين أنت. فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا ! والله أحدثك، ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت والله معسرا. قال قلت: آلله؟ قال: الله. قلت: آلله؟ قال: الله. قلت: آلله؟ قال: الله. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده، فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلا فأنت في حل. فأشهد بصر عيني هاتين، - ووضع إصبعيه على عينيه - وسمع أذني هاتين، ووعاه قلبي - وأشار إلى نياط قلبه - رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " من أنظر مسلما أو وضع عنه، أظله الله في ظله".

                                                                                              قال فقلت له أنا: يا عم، لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك، فكانت عليك حلة وعليه حلة. فمسح رأسي وقال: اللهم بارك فيه، يا ابن أخي، بصر عيني هاتين، وسمع أذني هاتين، ووعاه قلبي هذا - وأشار إلى نياط قلبه - رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون". وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة.

                                                                                              ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده وهو يصلي في ثوب واحد مشتملا به، فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القبلة، فقلت: يرحمك الله، أتصلي في ثوب واحد ورداؤك إلى جنبك؟ قال: فقال بيده في صدري: هكذا، وفرق بين أصابعه وقوسها: أردت أن يدخل علي الأحمق مثلك فيراني كيف أصنع فيصنع مثله، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب، فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا فقال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟. قال: فخشعنا، قال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ قال: فخشعنا، ثم قال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟. قلنا: لا أينا يا رسول الله. قال: فإن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا، ثم طوى ثوبه بعضه على بعض. فقال: أروني عبيرا. ثار الفتى من الحي يشتد إلى أهله، فجاء بخلوق في راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة. فقال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم.

                                                                                              وسرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني، وكان الناضح يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له، فأناخه فركبه، ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن، فقال له: شأ، لعنك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا اللاعن بعيره؟ ". قال: أنا يا رسول الله. قال: "انزل عنه، فلا يصحبنا ملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم".

                                                                                              وسرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان عشيشية، ودنونا ماء من مياه العرب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رجل يتقدمنا فيمدر الحوض، فيشرب ويسقينا؟ ". قال جابر: فقمت فقلت: هذا رجل يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي رجل مع جابر؟ ". فقام جبار بن صخر، فانطلقنا إلى البئر فنزعنا في الحوض سجلا أو سجلين، ثم مدرناه، ثم نزعنا فيه حتى أفهقناه، فكان أول طالع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتأذنان؟ ". قلنا: نعم يا رسول الله. فأشرع ناقته فشربت، شنق لها، فشجت فبالت، ثم عدل بها فأناخها، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحوض فتوضأ منه، ثم قمت فتوضأت من متوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وكانت علي بردة فذهبت أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي، وكانت لها ذباذب فنكستها، ثم خالفت بين طرفيها، ثم تواقصت عليها، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي، فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ، ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدينا جميعا، فدفعنا حتى أقامنا خلفه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر، ثم فطنت به، فقال: هكذا بيده، يعني شد وسطك، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا جابر". قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك".

                                                                                              سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قوت كل رجل منا في كل يوم تمرة، فكان يمصها ثم يصرها في ثوبه، وكنا نختبط بقسينا ونأكل حتى قرحت أشداقنا، فأقسم خطئها رجل منا يوما، فانطلقنا به ننعشه، فشهدنا له أنه لم يعطها، فأعطيها، فقام فأخذها.

                                                                                              سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها فقال: "انقادي علي بإذن الله". فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: "انقادي علي بإذن الله". فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، لأم بينهما، يعني جمعهما، فقال: "التئما علي بإذن الله". فالتأمتا.

                                                                                              قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد. فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة، فقال برأسه هكذا - وأشار ابن إسماعيل برأسه يمينا وشمالا - ثم أقبل فلما انتهى إلي قال: "يا جابر، هل رأيت مقامي؟ ". قلت: نعم يا رسول الله. قال: "فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا، فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامي، فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك".

                                                                                              قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحشرته فانذلق لي، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت بهما أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقته فقلت: قد فعلت يا رسول الله، فعم ذاك؟ قال: "إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما، ما دام الغصنان رطبين".

                                                                                              قال: فأتينا العسكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جابر، ناد بوضوء". فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: قلت: يا رسول الله، ما وجدت في الركب من قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، قال فقال لي: انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه. قال: اذهب فائتني به. فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه فقال: "يا جابر، ناد بجفنة". فقلت: يا جفنة الركب، فأتيت بها تحمل، فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة: هكذا، فبسطها، وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال: "خذ يا جابر فصب علي وقل باسم الله". فصببت عليه وقلت: باسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت، فقال: "يا جابر، ناد من كان له حاجة بماء". قال: فأتى الناس فاستقوا حتى رووا. قال فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى.

                                                                                              وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فقال: "عسى الله أن يطعمكم". فأتينا سيف البحر، فزخر البحر زخرة، فألقى دابة، فأورينا على شقها النار، فاطبخنا واشتوينا، وأكلنا حتى شبعنا. قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عد خمسة في حجاج عينها، ما يرانا أحد حتى خرجنا، فأخذنا ضلعا من أضلاعه فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب، وأعظم جمل في الركب، وأعظم كفل في الركب، فدخل تحته ما يطأطئ رأسه.


                                                                                              رواه مسلم (3006-3014).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و ( قول عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت : " خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار ، قبل أن يهلكوا ") دليل على ما كان عليه أهل ذلك الصدر من حرصهم على طلب علم الحديث، والرحلة إلى أهله، والاجتهاد في [ ص: 71 ] تحصيله، كل ذلك منهم سعي في تحقيق الدين، وإظهاره، ونقله، وإبلاغه، جدد الله عليهم الرحمة، فلقد سلكوا طريقا أفضت بهم إلى الجنة.

                                                                                              غريب هذا الحديث:

                                                                                              الحي : القبيل. وضمامة من صحف : هو بكسر الضاد بغير ألف، كذا وقع في كتاب مسلم، وصوابه: إضمامة، وهي الإضبارة أيضا. وجمعها أضاميم، وكل شيء ضممت بعضه إلى بعض فهو إضمامة. والصحف: جمع صحيفة، وهي الورقة من الكتب، وكل ما انبسط فهو صحيفة. ومنه: صحفة الطعام. والبرد : الشملة المخططة، وجمعها: برد وبرود. ومعافري : بفتح الميم، ثوب منسوب إلى معافر، وهي محلة بالفسطاط ، [قاله أبو الفرج . وقيل: هو رجل كان يعملها]. والسفعة : تغير اللون بسواد مشرب بحمرة، قاله الخليل . والجفر من الغلمان: الذي قوي منهم في نفسه، وقوي في أكله. يقال منه: استجفر الصبي: إذا صار كذلك، وأصله في أولاد الغنم، فإذا أتى عليه أربعة أشهر، وفصل عن أمه، وأخذ في الرعي، قيل عليه جفر، والأنثى جفرة. والأريكة : واحدة الأرائك، وهي: السرير الذي عليه كلة، وهي: الحجلة.

                                                                                              [ ص: 72 ] و (قول المدين: " خشيت والله أن أحدثك فأكذبك، وأعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ") كان هذا الغريم صادقا في حاله، متقيا على دينه، محترما لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما علم منه رب الدين ذلك كله محا عنه صحيفته، وأنظره إلى الميسرة، كما قال تعالى.

                                                                                              وفيه ما يدل على أن رب الدين إذا علم بعسرة غريمه، أو ظنها حرمت عليه مطالبته، وإن لم تثبت عسرته عند الحاكم.

                                                                                              و (قوله: " آلله؟ قال: الله " هو ممدود لأنها همزة الاستفهام دخلت على الهمزة المعوضة من باء القسم.

                                                                                              و (قوله: " فأشهد بصر عيني هاتين، وسمع أذني هاتين ") هكذا رواية العذري بفتح الصاد، ورفع الراء على المصدر المضاف إلى ما بعده، وكذلك " سمع أذني " بتسكين الميم، ورواهما الطبري " بصر " - بضم الصاد، وفتح الراء - على الفعل الماضي، وعيناي مرفوع على الفاعل، وكذلك: " سمع أذناي " غير أنه كسر الميم، وكذا عند أبي علي الغساني ، ورواية الطبري أوضح، وأقل كلفة، فإن رواية العذري يحتاج فيها إلى إضمار خبر للمبتدأ الذي هو: بصر. تقديره: بصر عيني حاصل، أو متعلق، ثم إنه بعد هذا يعطف على هذه الجملة الاسمية جملة فعلية التي هي قوله: " ووعاه قلبي "، والأحسن في عطف الجمل مراعاة المجانسة في المعطوف، والمعطوف عليه، فرواية الطبري أولى.

                                                                                              [ ص: 73 ] و (قوله: " ووعاه قلبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ") الضمير في وعاه قلبي: عائد على [غير] مذكور قبله، فهو مما يفسره الحال والمشاهدة. وأبدل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيان، فهو بدل الظاهر من المضمر. ونياط القلب: هو معلقه، ويروى: مناط، وهو موضع تعلقه. وإنظار المعسر: تأخيره إلى أن يوسر، والوضع عنه: إسقاط الدين عن ذمته، وقد جمع هو بينهما لهذا المعسر حيث محا عنه الصحيفة، وقال له: إن وجدت قضاء فاقض، وإلا فأنت في حل. وقد مضى تفسير الحلة، وأنها ثوبان من جنس واحد، ليسا بلفقين.

                                                                                              و (قوله: " أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون ") ظاهر هذا: وجوب تشريك السيد عبده في نوع ما يأكله، ويلبسه، وهو ليس بواجب اتفاقا، وقد بينا ذلك فيما تقدم. لكن خاف أبو اليسر أن يكون ترك ذلك منقصا من حسناته، فسوى بينه وبين عبده في اللباس، وكذلك فعل أبو ذر رضي الله عنه، كما تقدم.

                                                                                              والاشتمال: الالتفاف بالشملة. وهذا الاشتمال الذي اشتمله جابر هو الذي أذن له فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في كتاب: الصلاة، وهو أن يضع وسط الشملة [ ص: 74 ] على ظهره، ويخرجها من تحت ضبعيه، ويخالف بين طرفيها، ويعقدها على قفاه. ووضعه يده على صدره، إنما كان ليوقظه من غفلته، ويستحضر فهمه.

                                                                                              و (قوله: " إنما فعلته ليراني أحمق مثلك ") إنما شافهه بهذا اللفظ الجافي مقابلة له على ما صدر منه من الحركة الجافية، والسؤال الذي أورده مورد الإنكار، فلو تلطف في السؤال لما سمع هذا المقال.

                                                                                              و " العرجون " واحد العراجين: وهي الشماريخ، وتسمى أيضا: الكباسة. و " رطب ابن طاب ": نوع من الرطب. وقد تقدم القول على البزاق في المسجد.

                                                                                              و (قوله: " أيكم يحب أن يعرض الله عنه ") أي: يعامله معاملة المعرض عنه فلا يثيبه إن قلنا: إن البزاق في المسجد مكروه، وإن تنزلنا: على أن البزاق في المسجد محرم - كما تقدم - كان الإعراض كناية عن تعذيبه على ذلك، وترك رحمته إياه في وقت العذاب، والله تعالى أعلم.

                                                                                              و (قوله: " فخشعنا ") الرواية الصحيحة فيه بالخاء المعجمة. من الخشوع، وهو الخضوع والتذلل، يعني: أنه ظهرت عليهم أحوال المنكسرين الخائفين، ومن قيده بالجيم فقد أبعد، إذ ليس هذا موضع الجشع؛ لأنه عبارة عن أشد الحرص. [ ص: 75 ] يقال منه: جشع الرجل - بكسر الشين - وتجشع: إذا اشتد حرصه.

                                                                                              و " الخلوق والعبير ": ضروب من الطيب يجمع بالزعفران. و " ثار الفتى " أي: وثب يجري، و " النخامة والنخاعة ": ما يخرج من أقصى الفم. و " بواط ": موضع من ناحية رضوى . وكانت هذه الغزوة على رأس سنة من مقدمه المدينة ، خرج فيها يطلب المجدي بن عمرو ، ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق حربا. و " تلدن ": تثبط وتلكأ، ولم ينبعث. و " شأ ": صوت تزجر به الإبل. و " اللعن ": الطرد والبعد. ولما دعا هذا الرجل على بعيره باللعنة أجيب، فأبعد البعير عنه، وحيل بينه وبينه، وهذا من باب العقوبة في المال لربه، لا من باب عقوبة ما لا يعقل، وفيه ما يدل على أن الدعاء في حالة الضجر والغضب قد يستجاب.

                                                                                              و " عشيشية ": تصغير عشية على غير قياس، و " يمدر الحوض ": يطينه ويسد خلله ليمسك الماء. و " نزعنا ": استقينا. و " السجل ": الدلو. و " أفهقناه ": ملأناه.

                                                                                              [ ص: 76 ] و (قوله: " أتأذنان ") [دليل على أن من حاز شيئا من المباح ملكه، وأن الماء المحوز يملك. وفيه] دليل على أنه لا يكتفى في إباحة ملك الغير بالسكوت. بل لا بد من إذن المالك.

                                                                                              و " شنق لها الزمام " أي: قبضه إليه لتنقطع عن الشرب.

                                                                                              و " شجت " - مخففة الجيم -: قطعت الشرب. يقال: شججت المفازة، أي: قطعتها بالسير. و " الذباذب ": الأطراف، سميت بذلك لتذبذبها، أي: تحركها، وكل شيء معلق فحركته: ذبذبته.

                                                                                              [ ص: 77 ] و (قوله: " وتواقصت ") أي: أمسكت عليها بعنقي لئلا تسقط، أي: حنى عليها بعنقه. وقد تقدم القول على مواقف المأموم مع الإمام، وهذا الحديث يدل على أن المشروع في حق الإمام: إذا قام رجل عن يمينه، ثم جاء آخر أنه يدفعهما خلفه، لا يتقدم ويتركهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بجابر وجبار رضي الله عنهما.

                                                                                              و " الحقو ": معقد الإزار من الوسط، وقد سمي الإزار حقوا، كما تقدم في قول أم عطية : فأعطانا حقوه، أي: إزاره.

                                                                                              و " نختبط ": نفتعل، من الخبط، وهو ضرب الورق بالعصا ليسقط. و " القرح ": الجراح. و " تقرحت ": انجرحت. و " الشدق ": جانب الفم.

                                                                                              وهذا الحديث يدل على قوة صبرهم، وعظيم جلدهم، وعلى أن الله تعالى خرق لهم العادة إكراما لهم؛ لأن إمساك القوة على السفر، والسير مع الاغتذاء بتمرة في كل يوم أمر خارق للعادة، وقد وضح ذلك في الرجل الذي أخطأته التمرة [ ص: 78 ] فسقط، ثم إنه لما أعطيها قوي في الحال. والعادة قاضية بأن من سقطت قواه لا ترجع إليه إلا بعد معالجة وترتيب، واستدامة ذلك على تدريج.

                                                                                              " وننعشه ": نرفعه وندعمه ليقوم، وكأنه سقط من الضعف. وقد فسر بعض الشارحين ننعشه ب: نسعى في رفعه بالشهادة له في أنه ما أعطي التمرة، وما ذكرناه أولى؛ لأنه قال بعد ذلك: فأعطيها فقام، فيعني: أنه سقط من الضعف، فحاولوا رفعه فلم يقدروا حتى أكل التمرة، فقوي وقام. فتأمله.

                                                                                              و " الأفيح ": الواسع المنبطح، و " شاطئ [ ص: 79 ] الوادي ": جانبه. و " المخشوش ": هو الذي جعل في أنفه الخشاش - بكسر الخاء -: وهو عود، أو وتد ليذل. و " المنصف ": ملتقى النصفين. وحديث الشجرتين هذا يدل على أن الله تعالى مكن نبيه صلى الله عليه وسلم من انخراق ما شاء من العادات، وأن الجمادات كانت سخرت له، فيتصرف فيها كيف شاء، وهذا من أكمل الكرامات، وأعظم الدلالات.

                                                                                              و " حشرته " - بالحاء المهملة -: رققته، وحددته، وحكى الأخفش : سهم حشر، وسهام حشر، أي: محددة.

                                                                                              و (قوله: " فعم ذاك؟ " [وروي: " فلم ذاك؟] " هو استفهام، وذاك إشارة إلى ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم به من غرس الغصنين.

                                                                                              وفيه دليل على جواز السؤال عن العلل والحكم، وقد تقدم القول على القبرين المعذبين في كتاب: الطهارة.

                                                                                              و " الأشجاب ": جمع شجب، وهو ما خلق من الأسقية، وقدم، وهي أشد تبريدا للماء من الجدد.

                                                                                              [ ص: 80 ] و (قوله: " على حمارة من جريد ") [صحيح الرواية فيه بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم، وهي جرائد] النخل أو عيدان يجمع أعلاها بالربط، ويفتح أسفلها، تعلق فيها الأسقية، وقد رواها بعض الرواة: " جمارة " بجيم مضمومة، وميم مشددة، وفيه بعد. و " العزلاء ": مخرج الماء من الراوية أو القربة.

                                                                                              و (قوله: " لو أني أفرغه لشربه يابسه ") أي: لقلته، وأعاد الضمير مذكرا على معنى العزلاء، لا على لفظها، أراد به المخرج، أو الجلد. يعني: أن الماء كان قليلا، فلو صبه لذهب، ويغمزه: يعضه. والغمز: العض والطعن.

                                                                                              و " جفنة الركب ": هي قصعة كبيرة يستصحبها أصحاب الإبل يأكلون فيها مجتمعين.

                                                                                              و (قوله: " فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ") أي: فجر الله تعالى من أصول [ ص: 81 ] الأصابع الماء، كما يفجره من الحجر، وقد بينا أن هذه المعجزة أبلغ من معجزة موسى عليه السلام في نبع الماء من الحجر.

                                                                                              و " سيف البحر ": ساحله. و " زخر البحر ": هاج وارتج. و " أورينا ": أوقدنا. و " الشق ": الجانب. و " حجاج العين " بكسر الحاء وفتحها: هو العظم الذي فيه المقلة، وعلى طرفه الأعلى، هو الحاجب. و " يطأطئ رأسه ": يخفضه.




                                                                                              الخدمات العلمية