الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4256 [ 2216 ] وعن ثوبان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم". فسئل عن عرضه فقال: "من مقامي إلى عمان". وسئل عن شرابه، فقال: "أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يشخب فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب، والآخر من ورق".

                                                                                              رواه أحمد ( 5 \ 280 )، ومسلم (2301)، والترمذي (2444)، وابن ماجه (4303).

                                                                                              [ 2217 ] وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء".

                                                                                              وفي رواية: "ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء".

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 238 )، ومسلم (2303) (39 و 43)، وابن ماجه (4305).

                                                                                              [ 2218 ] وعن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إني فرط لكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة".

                                                                                              رواه مسلم (2305). [ ص: 96 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 96 ] و (قوله: " إني لبعقر حوضي ") هو بضم العين، وسكون القاف، وهو مؤخره حيث تقف الإبل إذا وردته، وتسكن قافه وتضم، فيقال: عقر وعقر، كعسر وعسر، قاله في الصحاح. قال غيره: عقر الدار: أصلها - بفتح العين وقد تضم -.

                                                                                              و (قوله: " أذود الناس لأهل اليمن ") يعني: السابقين من أهل اليمن الذين نصره الله بهم في حياته، وأظهر الدين بهم بعد وفاته، وقد تقدم أن المدينة من اليمن ، وأنهم أحق بهذا الإكرام من غيرهم، لما ثبت لهم من سابق النصرة، والأثرة، ولذلك قال للأنصار : " اصبروا حتى تلقوني على الحوض ".

                                                                                              وأذود: أدفع، فكأنه يطرق لهم مبالغة في إكرامهم حتى يكونوا أول شارب، كما يفعل بفقراء المهاجرين ، إذ ينطلق بهم إلى الجنة، فيدخلهم الجنة قبل الناس كلهم، كما قد ثبت في الأحاديث، ولا يظن: أن النبي صلى الله عليه وسلم يلازم المقام عند الحوض دائما، بل يكون عند الحوض تارة، وعند الميزان أخرى، وعند الصراط أخرى، كما قد صح عنه: أن رجلا قال: أين أجدك يا رسول الله يوم القيامة؟ قال: " عند الحوض، فإن لم تجدني، فعند الميزان، فإن لم تجدني، فعند الصراط، فإني لا أخطئ هذه [ ص: 97 ] المواطن الثلاث ". وكأنه صلى الله عليه وسلم لا يفارق أصحابه، ولا أمته في تلك الشدائد سعيا في تخليصهم منها، وشفقة عليهم صلى الله عليه وسلم، ولا حال بيننا وبينه في تلك المواطن !

                                                                                              و (قوله: " أضرب بعصاي حتى يرفض ") بالمثناة من تحت، أي: يضرب من أراد من الناس الشرب من الحوض قبل أهل اليمن ، ويدفعهم عنه حتى يصل أهل اليمن ، فيرفض الحوض عليهم، أي: يسيل، يقال: ارفض الدمع: إذا سال.

                                                                                              و (قوله: " يشخب فيه ميزابان من الجنة ") أي: يسيل، وهو بالشين والخاء المعجمتين، والشخب - بالفتح في الشين - المصدر، وهو السيلان، وبالضم: الاسم. يقال في المثل: شخب في الأرض وشخب في الإناء. وأصل ذلك في الحالب المفرط. وفي الرواية الأخرى: " يغت " بالغين المعجمة، وبالمثناة فوق، هي الرواية المشهورة، ومعناه: الصب المتوالي، المتتابع. وأصله: إتباع الشيء الشيء، يعني: أنه يصب دائما متتابعا صبا شديدا سريعا، وقد رواه العذري : " يعب " بالعين المهملة، وبالموحدة، وكذا ذكره الحربي ، وفسره بالعب، وهو شرب الماء جرعة بعد جرعة، ورواه ابن ماهان : [يثعب - بثاء مثلثة قبل العين المهملة - ومعناه: تتفجر وتسيل، ومنه: وجرحه] يثعب دما.

                                                                                              [ ص: 98 ] و (قوله: " يمدانه من الجنة ") فصيحه: يمدانه بفتح الياء، وضم الميم ثلاثيا من مد النهر، ومده نهر آخر. فأما الرباعي فقولهم: أمددت الجيش بمدد، وقد جاء الرباعي في الأول. ومعناه: الزيادة على الأول فيهما.

                                                                                              واختلجوا: أخرجوا من بين الواردين. وأصيحابي: تصغير أصحاب على غير قياس. ولابتا الحوض: جانباه اللذان من خارجه حيث يكون شدة الحر والعطش، وأصل اللابة: الحرة، وهي أرض ألبست حجارة سودا، ومنه: لابتا المدينة ، كما تقدم. وسحقا سحقا: بعدا بعدا. والسحيق: المكان البعيد.




                                                                                              الخدمات العلمية