الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4363 [ 2278 ] وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه". ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [آل عمران: 36].

                                                                                              وفي رواية: "كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها".

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 233 )، والبخاري (3548)، ومسلم (2366) (146 و 147).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله: " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان ") يعني به: أول وقت الولادة حين يستهل أول استهلال، بدليل قوله في الرواية الأخرى: " يوم يولد " أي: حين يولد. والعرب قد تطلق اليوم وتريد به الوقت والحين. كما قال تعالى: كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا [الأحقاف: 35] أي: حين يرون، كما تقدم في الحديث قبل هذا: " ليأتين على أحدكم يوم لا يراني " أي: زمن ووقت، وهو كثير. وكأن النخس من الشيطان إشعار منه بالتمكن والتسليط، وحفظ الله تعالى لمريم وابنها من نخسته تلك التي هي ابتداء التسليط ببركة إجابة دعوة أمها حين قالت: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [آل عمران: 36] فاستجاب الله لها لما حضرها في ذلك الوقت من صدق الالتجاء إلى الله تعالى، وصحة التوكل، وأمها هي امرأة عمران ، واسمها حنة بنت فاقود ، وكانت لما حملت نذرت، وأوجبت على نفسها أن تجعل ما تلده منزها منقطعا للعبادة، لا يشتغل بشيء مما في الوجود، على شريعتهم في الرهبانية، وملازمتهم الكنائس، وانقطاعهم فيها إلى الله تعالى بالكلية. ولذلك لما ولدتها أنثى قالت: وليس الذكر كالأنثى [آل عمران: 36] أي: فيما نذرته له من الرهبانية.

                                                                                              [ ص: 178 ] و (قوله: " كل مولود " و " ما من مولود ") ظاهر قوي في العموم والإحاطة، ولما استثنى منه مريم وابنها التحق بالنصوص لا سيما مع النظر الذي أبديناه، فأفاد هذا: أن الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الأنبياء، والأولياء، إلا مريم وابنها، وإن لم يكن كذا بطلت الخصوصية بهما، ولا يفهم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال المنخوس وإغواؤه، فإن ذلك ظن فاسد، وكم قد تعرض الشيطان للأنبياء، والأولياء بأنواع الإفساد، والإغواء، ومع ذلك يعصمهم الله مما يرومه الشيطان، كما قال: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [الإسراء: 65] هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وكل به قرينه من الشياطين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فمريم وابنها - وإن عصما من نخسه - فلم يعصما من ملازمته لهما ومقارنته. وقد خص الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم بخاصية كمل عليه بها إنعامه بأن أعانه على شيطانه حتى صح إسلامه، فلا يكون عنده شر، ولا يأمره إلا بخير، وهذه خاصة لم يؤتها أحد غيره، لا عيسى ، ولا أمه. وفي غير كتاب مسلم : " فذهب الشيطان ليطعن في خاصرته فطعن في الحجاب "، أي: في الحجاب الذي حجب به عيسى عليه السلام، فإما حجاب مهده، وإما حجاب بيته.

                                                                                              و (قوله: " صياح المولود نزغة من الشيطان ") الرواية المعروفة: نزغة [ ص: 179 ] - بالنون والزاي ساكنة والغين المعجمة - من النزغ: وهو الوسوسة، والإغراء بالفساد، ووقع لبعض الرواة: فزعة - بالفاء والعين المهملة -: من الفزع.




                                                                                              الخدمات العلمية