الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              391 [ 203 ] وعن ابن عمر ; قال : رقيت على بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدا لحاجته ، مستقبل الشام ، مستدبر القبلة .

                                                                                              وفي رواية : قاعدا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس .

                                                                                              رواه البخاري ( 148 ) ، ومسلم ( 266 ) ، وأبو داود ( 12 ) ، والترمذي ( 11 ) ، والنسائي ( 1 \ 23 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قول ابن عمر : " رقيت على بيت أختي حفصة ") هذا الرقي من ابن عمر الظاهر منه أنه لم يكن عن قصد الاستكشاف ، وإنما كان لحاجة غير ذلك . ويحتمل أن يكون ليطلع على كيفية جلوس النبي - صلى الله عليه وسلم - للحدث ، على تقدير أن يكون قد استشعر ذلك ، وأنه تحفظ من أن يطلع على ما لا يجوز له ، وفي هذا الثاني بعد ، وكونه - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين ; يدل لمالك على قوله : إذا اجتمع المرحاض الملجئ والساتر جاز ذلك .

                                                                                              واستقباله بيت المقدس يدل على خلاف ما ذهب إليه النخعي وابن سيرين ، فإنهما منعا ذلك .

                                                                                              وما روي من النهي عن استقبال شيء من القبلتين بالغائط لا يصح ; لأنه من رواية عبد الله بن نافع مولى ابن عمر ، وهو ضعيف . وقد ذهب [ ص: 523 ] بعض من منع استقبال القبلة واستدبارها مطلقا : إلى أن حديث ابن عمر لا يصلح تخصيص حديث أبي أيوب ; لأنه فعل في خلوة ، وهو محتمل للخصوص ، وحديث أبي أيوب قول قعدت به القاعدة ، فبقاؤه على عمومه أولى . والجواب عن ذلك أن نقول : أما فعله - عليه الصلاة والسلام - فأقل مراتبه أن يحمل على الجواز ; بدليل مطلق اقتداء الصحابة بفعله ، وبدليل قوله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ الأحزاب : 21 ] ، وبدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة حين سألتها المرأة عن قبلة الصائم : " ألا أخبرتها أني أفعل ذلك " ، وقالت عائشة : فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا ، يعني : التقاء الختانين . وقبل ذلك الصحابة وعملوا عليه .

                                                                                              وأما كون هذا الفعل في خلوة فلا يصلح مانعا من الاقتداء ; لأن الحدث كله كذلك يفعل ، ويمنع أن يفعل في الملأ ، ومع ذلك فقد نقل وتحدث به ، سيما وأهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة . وأما دعوى الخصوص فلو سمعها النبي - صلى الله عليه وسلم - لغضب على مدعيها ، وأنكر ذلك كما قد غضب على من ادعى تخصيصه بجواز القبلة ، فإنه غضب عليه ; وأنكر ذلك ، وقال : " والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده " ، وكيف يجوز توهم هذا ؟ وقد تبين أن [ ص: 524 ] ذلك إنما شرع إكراما للقبلة ، وهو أعلم بحرمتها وأحق بتعظيمها ، وكيف يستهين بحرمة ما حرم الله ؟ هذا ما لا يصدر توهمه إلا من جاهل بما يقول ، أو غافل عما كان يحترمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - .




                                                                                              الخدمات العلمية