الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4420 [ 2315 ] وعنه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له - وخلفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله، خلفتني مع النساء والصبيان؟ - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي عليا، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم... [آل عمران: 61] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم ! هؤلاء أهلي.

                                                                                              رواه أحمد ( 1 \ 182 )، والبخاري (4416)، ومسلم (2404) (32).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و ( قول معاوية لسعد بن أبي وقاص : " ما منعك أن تسب أبا تراب ") يدل: على أن مقدم بني أمية كانوا يسبون عليا وينتقصونه، وذلك كان منهم لما وقر في أنفسهم من أنه أعان على قتل عثمان ، وأنه أسلمه لمن قتله، بناء منهم على أنه كان بالمدينة ، وأنه كان متمكنا من نصرته. وكل ذلك ظن كذب، وتأويل باطل غطى التعصب منه وجه الصواب. وقد قدمنا: أن عليا رضي الله عنه أقسم بالله: أنه ما قتله، ولا مالأ على قتله، ولا رضيه. ولم يقل أحد من النقلة قط، ولا سمع من أحد: أن عليا كان مع القتلة، ولا أنه دخل معهم الدار عليه. وأما ترك نصرته، فعثمان رضي الله عنه أسلم نفسه، ومنع من نصرته، كما ذكرناه في بابه. ومما تشبثوا به: أنهم نسبوا عليا إلى ترك أخذ القصاص من قتلة عثمان ، وإلى أنه منعهم منهم، وأنه قام دونهم. وكل ذلك أقوال كاذبة أنتجت ظنونا غير صائبة، ترتب عليها ذلك البلاء كما سبق به القضاء.

                                                                                              و ( قوله: " في بعض مغازيه ") قد قلنا: إنها كانت غزوة تبوك خلفه النبي صلى الله عليه وسلم في أهله، واستخلفه على المدينة ، فيما قيل. ولما صعب على علي رضي الله عنه تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه، سكنه النبي صلى الله عليه وسلم وآنسه بقوله: " أما ترضى أن [ ص: 273 ] تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ " وذلك: أن موسى عليه السلام لما عزم على الذهاب لما وعده الله به من المناجاة قال لهارون : اخلفني في قومي وأصلح [الأعراف: 142].

                                                                                              وقد استدل بهذا الحديث الروافض ، والإمامية ، وسائر فرق الشيعة : على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا رضي الله عنه على جميع الأمة. فأما الروافض فقد كفروا الصحابة كلهم؛ لأنهم عندهم تركوا العمل بالحق الذي هو النص على استخلاف علي رضي الله عنه واستخلفوا غيره بالاجتهاد. ومنهم من كفر عليا رضي الله عنه لأنه لم يطلب حقه. وهؤلاء لا يشك في كفرهم؛ لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول، فقد أبطل نقل الشريعة، وهدم الإسلام. وأما غيرهم من الفرق فلم يرتكب أحد منهم هذه المقالة الشنعاء القبيحة القصعاء، ومن ارتكبها منهم ألحقناه بمن تقدم في التكفير ومأواه جهنم وبئس المصير، وعلى الجملة فلا حجة لأحد منهم في هذا الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استنابه في أمر خاص وفي وقت خاص، كما استناب موسى هارون - عليهما السلام - في وقت خاص، فلما رجع موسى عليه السلام من مناجاته، عاد هارون إلى أول حالاته، على أنه قد كان هارون شرك مع موسى في أصل الرسالة، فلا تكون لهم فيما راموه دلالة. وغاية هذا الحديث أن يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استخلف عليا رضي الله عنه على المدينة فقط، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك قعد مقعده، وعاد علي رضي الله عنه إلى ما كان عليه قبل. وهذا كما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وغيره، ولا يلزم من ذلك استخلافه دائما بالاتفاق.

                                                                                              [ ص: 274 ] و (قوله: " غير أنه لا نبي بعدي ") إنما قاله النبي صلى الله عليه وسلم تحذيرا مما وقعت فيه طائفة من غلاة الرافضة ، فإنهم قالوا: إن عليا نبي يوحى إليه. وقد تناهى بعضهم في الغلو إلى أن صار في علي إلى ما صارت إليه النصارى في المسيح ، فقالوا: إنه الإله. وقد حرق علي رضي الله عنه من قال ذلك، فافتتن بذلك جماعة منهم، وزادهم ضلالا، وقالوا: الآن تحققنا: أنه الله؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا الله. وهذه كلها أقوال عوام، جهال، سخفاء العقول، لا يبالي أحدهم بما يقول، فلا ينفع معهم البرهان، لكن السيف والسنان.




                                                                                              الخدمات العلمية