الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4425 [ 2335 ] وعن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا؛ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يازيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم !

                                                                                              قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: " أما بعد ألا أيها الناس ! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي". فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.


                                                                                              وفي رواية: "كتاب الله هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة". وفيها فقلنا: ومن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وايم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 14 و 17)، ومسلم (2408) (36 و 37).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله: " قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا بماء يدعى خما ") هو بضم الخاء المعجمة، وهو موضع معروف، وهو الذي أكثرت الشيعة وأهل الأهواء فيه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في استخلافه عليا ، ووصيته إياه، ولم يصح من ذلك كله شيء إلا هذا الحديث.

                                                                                              و (قوله: " وأنا تارك فيكم ثقلين ") يعني: كتاب الله، وأهل بيته. قال ثعلب . سماهما ثقلين؛ لأن الأخذ بهما، والعمل بهما ثقيل، والعرب تقول لكل شيء خطير نفيس: ثقيل.

                                                                                              قلت: وذلك لحرمة الشيء النفيس، [وصعوبة روم الوصول إليه، فكأنه صلى الله عليه وسلم إنما سمى كتاب الله، وأهل بيته: ثقلين لنفاستهما، وعظم حرمتهما]، وصعوبة القيام بحقهما.

                                                                                              و (قوله في كتاب الله: " هو حبل الله ") أي: عهد الله الذي عهده لعباده، [ ص: 304 ] وسببه القوي الذي من تمسك به وصل إلى مقصوده، وقد ذكر هذا المعنى بأشبع من هذا فيما تقدم.

                                                                                              و (قوله: " وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاثا - "، هذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي: وجوب احترام آل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وإبرارهم، وتوقيرهم، ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها. هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأنهم جزء منه، فإنهم أصوله التي نشأ منها، وفروعه التي تنشأ عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم: " فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها "، ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، وسبوا نساءهم، وأسروا صغارهم، وخربوا ديارهم، وجحدوا شرفهم، وفضلهم، واستباحوا سبهم، ولعنهم، فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته، فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه ! ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه !

                                                                                              و (قوله: " من أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ ") هذا سؤال من تمسك [ ص: 305 ] بظاهر لفظ البيت، فإن الزوجة: هي أصل بيت الرجل، إذ هي التي تعمره، وتلازمه، وتقوم بمصالحه، وكذلك إجابة زيد بأن قال: نساؤه من أهل بيته، أي: بيته المحسوس، وليس هو المراد هنا، ولذلك قال في الرواية الأخرى في جواب السائل: لا ! أي: ليس نساؤه من أهل بيته، المعنى هنا: لكن هم أصله وعصبته، ثم عينهم بأنهم: هم الذين حرموا الصدقة، أي: الذين تحرم عليهم الصدقات الشرعية على الخلاف الذي ذكرناه في كتاب: الزكاة، وقد عينهم زيد تعيينا يرتفع معه الإشكال، فقال: هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس رضي الله عنهم، فقيل له: أكل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. وقد ذهب بعض المتأولين البيت في هذا اللفظ إلى أن مراد زيد به: الذين منعهم خلفاء بني أمية صدقة النبي صلى الله عليه وسلم بما كان خصه الله تعالى به التي كانت تقسم عليهم أيام الخلفاء الأربعة. وهذا فيه بعد، فالأول أظهر.




                                                                                              الخدمات العلمية