الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4549 [ 2401 ] وقال ابن المسيب : إن أبا هريرة قال : يقولون: إن أبا هريرة قد أكثر ! والله الموعد، ويقولون : ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه ! وسأخبركم عن ذلك ؛ إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضيهم، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما : أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي هذا ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لم ينس شيئا سمعه ؟ فبسطت بردة علي حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدري ، فما نسيت بعد ذلك شيئا حدثني به، ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا : إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى إلى آخر الآيتين [البقرة: 159 - 160] .

                                                                                              وفي رواية : إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                              رواه أحمد ( 6 \ 138 ) والبخاري (3568)، ومسلم (2492)، وأبو داود (4839)، والترمذي (3639).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قول أبي هريرة رضي الله عنه : يقولون قد أكثر أبو هريرة والله الموعد " ، أي : الرجوع إلى الله بحكم الوعد الصادق ، فيجازي كلا على قوله وفعله .

                                                                                              [ ص: 437 ] و (قوله " يقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه ") ، هذا الإنكار خلاف إنكار عائشة رضي الله عنها ، فإنها إنما أنكرت سرد الحديث ، وهؤلاء أنكروا على أبي هريرة أن يكون أكثر الصحابة حديثا ، وهذا إنكار استبعاد وتعجب لا إنكار تهمة ولا تكذيب لما يعلم من حفظه وعلمه وفضله ، ولما يعلم أيضا من فضلهم ومعرفتهم بحاله ، ولذلك بين لهم الموجب لكثرة حديثه ، وبين أنه شيئان ؛

                                                                                              أحدهما : أنه لازم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لم يلازموا ، فحضر ما لم يحضروا .

                                                                                              والثاني : بركة امتثال ما أرشد إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بسط ثوبه وضمه إلى صدره ، فكان ذلك سبب حفظه وعدم نسيانه ، فقد حصلت لأبي هريرة ولأمه من بركات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخصائص دعواته ما لم يحصل لغيره ، ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه لما حفظ علما كثيرا عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحقق أنه وجب عليه أن يبلغه غيره ووجد من يقبل عنه، ومن له رغبة في ذلك تفرغ لذلك مخافة [ ص: 438 ] الفوت ، ومعاجلة القواطع أو الموت ، ثم إنه لما آلمه الإنكار هم بترك ذلك والفرار ، لكنه خاف من عقوبة الكتمان المنبه عليها في القرآن ، ولذلك قال " لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا " ، ثم تلا قوله : إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب الآيتين [البقرة: 159 - 160] ، وفيهما بحث وتفصيل يحتاج إلى نظر طويل يذكر في تفسير القرآن وأحكامه .




                                                                                              الخدمات العلمية