الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4690 [ 2496 ] وعنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته" .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 230 )، ومسلم (2589)، وأبو داود (4874)، والترمذي (1934).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " أتدرون ما الغيبة ؟ ") كأن هذا السؤال صدر عنه بعد أن جرى ذكر [ ص: 570 ] الغيبة ، ولا يبعد أن يكون ذلك بعد نزول قوله تعالى : ولا يغتب بعضكم بعضا [الحجرات: 12] ففسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الغيبة المنهي عنها . ووزنها فعلة ، وهي مأخوذة من الغيبة - بفتح الغين - مصدر غاب ، لأنها ذكر الرجل في حال غيبته بما يكرهه لو سمعه . يقال من ذلك المعنى : اغتاب فلان فلانا ، يغتابه اغتيابا ، واسم ذلك المعنى : الغيبة ، ولا شك في أنها محرمة وكبيرة من الكبائر ، بالكتاب والسنة ، فالكتاب : قوله تعالى : ولا يغتب بعضكم بعضا الآية ، وأما السنة فكثيرة ، من أنصها ما خرجه أبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم " ، وفي كتابه من حديث أنس عنه صلى الله عليه وسلم ، قال : " مررت ليلة أسري بي بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم " .

                                                                                              وإذا تقررت حقيقة الغيبة وأن أصلها على التحريم ، فاعلم أنها قد تخرج عن ذلك الأصل صور ، فتجوز الغيبة في بعضها ، وتجب في بعضها ، ويندب إليها في بعضها : فالأولى كغيبة المعلن بالفسق المعروف به ، فيجوز ذكره بفسقه لا بغيره ، مما يكون مشهورا به ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " بئس أخو العشيرة " كما يأتي ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا غيبة في فاسق " ، ولقوله : " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " . والثاني : [ ص: 571 ] جرح شاهد عند خوف إمضاء الحكم بشهادته ، وجرح المحدث الذي يخاف أن يعمل بحديثه ، أو يروى عنه ، وهذه أمور ضرورية في الدين ، معمول بها ، مجمع من السلف الصالح عليها .

                                                                                              ونحو ذلك : ذكر عيب من استنصحت في مصاهرته أو معاملته ، فهذا يجب عليك الإعلام بما تعلم من هناته عند الحاجة إلى ذلك ، على جهة الإخبار ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما معاوية فصعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " .

                                                                                              وقد يكون من هذين النوعين ما لا يجب ، بل يندب إليه ، كفعل المحدثين حين يعرفون بالضعفاء مخافة الاغترار بحديثهم ، وكتحريز من لم يسأل مخافة معاملة من حاله تجهل ، وحيث حكمنا بوجوب النص على الغيب ، فإنما ذلك إذا لم نجد بدا من التصريح والتنصيص ، فأما لو أغنى التعريض والتلويح ، لحرم التنصيص والتصريح ؛ فإن ذلك أمر ضروري ، والضروري يقدر بقدر الحاجة ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              و (قوله : " وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ") هو بتخفيف الهاء وتشديد التاء ، لإدغام تاء المخاطب في التاء التي هي لام الفعل ، وكذلك رويته ، ويجوز أن تكون مخففة على إسقاط تاء الخطاب ، يقال : بهته بهتا وبهتا وبهتانا ، أي : قال عليه ما لم يقل ، وهو بهات ، والمقول مبهوت ، ويقال : بهت الرجل - بالكسر - إذا دهش وتحير ، وبهت - بالضم - مثله ، وأفصح منها : بهت ، كما قال تعالى : فبهت الذي كفر [البقرة: 258] لأنه يقال : رجل مبهوت ، ولا يقال : باهت ، ولا بهيت . قاله الكسائي .




                                                                                              الخدمات العلمية