الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4712 [ 2510 ] وعن أنس بن مالك قال: كانت عند أم سليم يتيمة - وهي أم أنس - فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال: "آنت هيه؟ لقد كبرت لا كبر سنك" ، فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ قالت الجارية: دعا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سني ، فالآن لا يكبر سني أبدا - أو قالت : قرني - فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لك يا أم سليم؟" فقالت: يا نبي الله ، أدعوت على يتيمتي؟ قال: "وما ذاك يا أم سليم؟" قالت: زعمت أنك دعوت ألا يكبر سنها، ولا يكبر قرنها، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: "يا أم سليم ، أما تعلمين شرطي على ربي : أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا، وزكاة، وقربة تقربه بها منه يوم القيامة" .

                                                                                              وفي رواية: يتيمة - بالتصغير - في المواضع الثلاثة .

                                                                                              رواه مسلم (2603).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله صلى الله عليه وسلم ليتيمة أم سليم : آنت هيه ؟ لقد كبرت ، لا كبر سنك ) الهاء في : هيه ، للوقف ، فإذا وصلت حذفتها ، وهذا الاستفهام على جهة التعجب ، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان قد رآها صغيرة ، ثم غابت عنه مدة فرآها قد طالت وعبلت ، فتعجب من سرعة ذلك فقال لها ذلك القول متعجبا ، فوصل كلامه بقوله : لا كبر سنك ، على ما قلناه من إطلاق ذلك القول من غير إرادة معناه ، وهذا واضح هنا : ويحتمل أن يقال : إنما دعا عليها بأن لا يكبر سنها كبرا تعود به إلى أرذل العمر ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أن يرد إلى أرذل العمر ، والمعنى الأول أظهر من مساق بقية الحديث في اعتذاره صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك .

                                                                                              و (قول اليتيمة : لا يكبر سني ، أو قالت : قرني ) هو بفتح القاف ، وتعني به السن ، وهو شك عرض لبعض الرواة ، وأصله أن من ساوى آخر في سنه كان قرن رأسه محاذيا لقرنه ، وقرن الرأس جانبه الأعلى ، وهذا يدل على أن إجابة دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة بالمشاهدة عند كبارهم وصغارهم ، لكثرة ما كانوا يشاهدون من ذلك ، ولعلمهم بمكانته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                              وتلوث خمارها : تديره على رأسها وعنقها ، والطهور هنا هي الطهارة من الذنوب ، وقد سماها في الرواية [ ص: 587 ] الأخرى : كفارة . والصلاة من الله تعالى : الرحمة ، كما قد عبر عنها في الرواية الأخرى . والزكاة : الزيادة في الأجر ، كما قد عبر عنها في الرواية الأخرى بالأجر . والقربة : ما يقرب إلى الله تعالى وإلى رضوانه . وفيه ما يدل على تأكد الشفقة على اليتيم ، والذب عنه ، والحنو عليه .




                                                                                              الخدمات العلمية