الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4944 [ 2676 ] وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة بين الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة ، يرحم بها عباده يوم القيامة .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 434) ، ومسلم (2752) (19) ، وابن ماجه (4293) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة ") هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق إرادة الحق سبحانه ، لا نفس الإرادة ، وأنها راجعة إلى المنافع والنعم ، ومقتضى هذا الحديث : أن الله تعالى علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع ، فأرسل منها فيهم في هذه الدار نوعا واحدا ، فبه انتظمت مصالحهم ، [ ص: 83 ] وحصلت مرافقهم ، كما نبه عليها في بقية الحديث ، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي في علمه ، وهو التسعة والتسعون ، فكملت الرحمة كلها للمؤمنين ، وهو المشار إليه بقوله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ السجدة :17 ] وهو الذي صرح به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لهم : " إن في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعكم عليه " . وعند هذا يفهم معنى قوله تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما [ الأحزاب : 43 ] فإن رحيما من أبنية المبالغة التي لا شيء أبلغ منها ، ويفهم من هذا أن الكافرين لا يبقى لهم في النار رحمة ، ولا تنالهم نعمة ، لا من جنس رحمات الدنيا ، ولا من غيرها ، إذ كمل كل ما علم الله من الرحمات للمؤمنين ، ختم الله لنا بما ختم للمؤمنين ، ووقانا أحوال الكافرين .

                                                                                              وما قلناه في هذا الحديث أولى من قول من قال : إن معنى قوله : " إن لله مائة رحمة " الإغياء والتكثير ; لأنه لم تجر عادتهم بذلك في مائة ، وإنما جرت بالسبعين ، ولو جرت بذلك لكان ذلك مجازا ، وما ذكرناه حقيقة ، فكان أولى ، والله أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية