الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5217 [ 2827 ] وعن ابن عمر ، قال : لقيت ابن صياد مرتين ، فقلت لبعضهم : هل تحدثون أنه هو ؟ قال : لا والله ، قال : قلت : كذبتني ، والله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالا وولدا ، فكذلك هو زعموا اليوم . قال : فتحدثنا ثم فارقته ، قال : فلقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه ، قال : فقلت : متى فعلت عينك ما أرى ؟ قال : لا أدري ، قال : قلت : لا تدري وهي في رأسك ؟ قال : إن شاء الله خلقها في عصاك هذه ، قال : فنخر كأشد نخير حمار سمعت ، قال : فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت ، وأما أنا فوالله ما شعرت ، قال : وجاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها فقالت : ما تريد إليه ؟ ألم تعلم أنه قد قال : إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه .

                                                                                              وفي رواية أن ابن عمر لقي ابن صياد في بعض طرق المدينة ، فقال قولا أغضبه ، فانتفخ حتى ملأ السكة ، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها ، فقالت له : يرحمك الله ما أردت من ابن صياد ؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما يخرج من غضبة يغضبها ؟

                                                                                              (رواه أحمد (6 \ 283) ، ومسلم (98 و 99) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قول ابن عمر - رضي الله عنهما - : لقيت ابن صائد مرتين ، فقلت لبعضهم : هل تحدثون أنه هو ؟ ) يعني لبعض من كان معه ، والذي قال : لا والله ، هو ذلك البعض الذي خاطبه ، وله قال ابن عمر : كذبتني ، ألا ترى أنه خاطبه بقوله : لقد أخبرني بعضكم ، ولا يتخيل أن الخطاب لابن صياد ; لأنه لم يتكلم معه بهذه اللقيا ، وإنما تكلم معه في اللقية الأخرى .

                                                                                              و (قوله : لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالا وولدا ، فكذلك هو زعموا اليوم ) مثل هذا الخبر لا يتوصل إليه إلا بالنقل ، ولم يكن عندهم [ ص: 271 ] شيء يعتمدونه إلا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو مرفوع بالمعنى لا باللفظ ، فكأنه قال : أخبرني بعضكم عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                              و (قوله : فلقيته لقية أخرى ، وقد نفرت عينه ) كذا وقع لأكثرهم ، والصواب الفتح في اللام من لقية ; لأنه مصدر ، ولم يحكه ثعلب إلا بالرفع ، ونفرت ، بالنون والفاء المفتوحتين : رواية جماعة الشيوخ ; أي : ورمت ، وفي أصل القاضي التميمي : نقرت وفقئت ، معا ، فقلت : فقئت في الموضعين ، وكتب على الأول بخطه : نقرت ، بالنون والقاف . ورواه أبو عبد الله المازري : نفرت ، بالفاء ، وهي كلها متقاربة ، وأشبهها الأولى ، فإن عينه في ذلك الوقت لم تكن مفقوءة ; إذ لو كان ذلك لكان من أعظم الأدلة على أنه الدجال ، ولاستدل بذلك من قال : إنه هو ، على من خالفه في ذلك ، ولم يرد ذلك ، غير أنه قد حكى أبو الفرج الجوزي في أنه ولد وهو أعور مختون مسرور ، وهذا فيه نظر ; لأن الظاهر من هذا الحديث أشهر مما ذكر . ويحتمل أن يكون ذلك الورم مبتدأ فقء عينه إن كان هو الدجال ، والله أعلم . وكون ابن عمر لم يشعر بضربه لابن صياد بالعصا حتى تكسرت ، كان ذلك لشدة موجدته عليه ، وكأنه تحقق منه أنه الدجال .

                                                                                              و (قوله : فنخر كأشد نخير حمار سمعت ) النخير : صوت الأنف . تقول منه : نخر ينخر ينخر نخيرا .

                                                                                              [ ص: 272 ] و (قوله : فقال له قولا أغضبه ) يعني : أن ابن عمر قال لابن صياد قولا غضب ابن صياد لأجله ، فانتفخ حتى ملأ السكة ، وهي الطريق ، وتجمع سككا ، وهذا الانتفاخ محمول على حقيقته وظاهره ، ويكون هذا أمرا خارقا للعادة في حق ابن صياد ، ويكون من علامات أنه الدجال ; لأن هذا موافق لما قالته حفصة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما يخرج من غضبة يغضبها " . وقد اجتمعت في أحاديث ابن عمر هذه قرائن كثيرة تفيد أن ابن صياد هو الدجال ، ولذلك كان ابن عمر - رضي الله عنهما - قد اعتقد ذلك وصمم عليه ، بحيث كان يحلف على ذلك ، وكذلك جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهم .




                                                                                              الخدمات العلمية