الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4985 (29) باب : من أخبار المنافقين

                                                                                              [ 2917 ] عن أبي الطفيل ، قال : كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال : فقال له القوم : أخبره إذ سألك ، قال : كنا نخبر أنهم أربعة عشر ، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، وعذر ثلاثة قالوا : ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا علمنا بما أراد القوم ، وقد كان في حرة فمشى فقال : إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد ، فوجد قوما قد سبقوه ، فلعنهم يومئذ .

                                                                                              رواه أحمد (5 \ 391) ، ومسلم (2779) (11) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ (29) باب : من أخبار المنافقين ]

                                                                                              (قول أبي الطفيل : كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ) ليست هذه العقبة عقبة بيعة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ، ومن ظن ذلك فقد جهل ، وإنما هي عقبة بطريق تبوك ، وقف له فيها قوم من المنافقين ليقتلوه ، كما قد رواه أحمد بن حنبل من طريق أبي الطفيل هذا ، قال : لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أمر مناديا ينادي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة ، فلا يأخذها أحد ، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة ، ويسوقه عمار - رضي الله عنهما - إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل غشوا عمارا ، وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة : " قد ، قد " حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما هبط نزل ، ورجع عمار ، فقال : "هل عرفت القوم ؟ " فقال : قد عرفت عامة الرواحل ، والقوم متلثمون . قال : " هل تدري ما أرادوا ؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيطرحوه . وذكر أبو الطفيل في تلك الغزاة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس ، وذكر له أن في الماء قلة فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي : ألا يرد الماء أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فورده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد رهطا قد وردوا قبله ، فلعنهم [ ص: 412 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعنى أبو الطفيل بقوله : بعض ما يكون بين الناس : الملاحاة والمعاتبة التي تقع غالبا بين الناس .

                                                                                              و (قوله : أنشدك الله ) أي : أسألك بالله ، والقائل : أنشدك بالله ; هو الرجل الذي لاحاه حذيفة - رضي الله عنه - والقائل : كنا نخبر أنهم أربعة عشر ، فإن كنت فيهم فالقوم خمسة عشر : هو حذيفة ، والمخاطب بذلك القول : هو الرجل المعاتب السائل له بأنشدك الله ، وظاهر كلام حذيفة : أنه ما شك فيه ، لكنه ستر ذلك إبقاء عليه . وهؤلاء الأربعة عشر ، أو الخمسة عشر هم الذين سبقوا إلى الماء ، فلعنهم النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أنه قبل عذر ثلاثة منهم لما اعتذروا له بأنهم ما سمعوا المنادي ، وما علموا بما أراد من كان معهم من المنافقين ; فإنهم أرادوا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يسبقوا إلى الماء ، ويحتمل أن يريد بهم الرهط الذين عرضوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة ليقتلوه ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية