الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              629 (14) باب

                                                                                              استخلاف الإمام إذا مرض ، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

                                                                                              [ 330 ] عن عائشة قالت : ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ! قال : ضعوا لي ماء في المخضب . ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثم أفاق ، قال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ! قال : ضعوا لي ماء في المخضب . ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثم أفاق ، قال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ! فقال : ضعوا لي ماء في المخضب . ففعلنا ، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : أصلى الناس ؟ فقلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ! قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة العشاء الآخرة . قالت : فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر أن يصلي بالناس ، فأتاه الرسول فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تصلي بالناس ! فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا : يا عمر ، صل بالناس ! قال : فقال أنت أحق بذلك ! قالت : فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد من نفسه خفة ، فخرج بين رجلين - أحدهما العباس - لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتأخر ، وقال لهما : أجلساني إلى جنبه - فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد .

                                                                                              قال ابن عباس : الرجل الذي لم تسمه هو علي رضي الله عنه .

                                                                                              وفي رواية قالت : أول ما اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة ، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها - يعني بيت عائشة - فأذن له . قالت : فخرج ويد له على الفضل بن العباس ويد له على رجل آخر ، وهو يخط برجليه في الأرض .

                                                                                              وعنها قالت : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ! قالت : فقلت : يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر ؟! قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ! فقلت لحفصة : قولي إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر ! فقالت له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكن لأنتن صواحب يوسف ! مروا أبا بكر فليصل بالناس . قالت : فأمروا أبا بكر فصلى بالناس . قالت : فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ، قالت : فقام يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطان في الأرض . قالت : فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر ، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم مكانك ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر ، قالت : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما ، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر .

                                                                                              وفي رواية قالت : فقلت يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل رقيق ; إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه ، فلو أمرت غير أبي بكر ! قالت : والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                              رواه أحمد ( 6 \ 250 )، والبخاري ( 664 )، ومسلم ( 418 ) ( 90 و 91 و 95 )، والترمذي ( 3678 )، والنسائي ( 2 \ 98 - 100)، وابن ماجه ( 1232 ) .

                                                                                              [ ص: 49 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 49 ] (14) ومن باب : استخلاف الإمام

                                                                                              المخضب : مثل الإجانة والمركن ، وهي القصرية . و " لينوء " : ليقوم وينهض . و " عكوف " : ملتزمون المسجد مجتمعون .

                                                                                              واستدعاء الماء بعد الإغماء يدل على أن الإغماء ينقض الطهارة كما هو متفق عليه ، وهذا على أن يكون الغسل هنا يراد به الوضوء ، والله أعلم .

                                                                                              وقوله " وكان أبو بكر رجلا رقيقا " ; أي رقيق القلب كثير الخشية [ ص: 50 ] سريع الدمعة ، وهو الأسيف أيضا في الحديث الآخر ; فإن الأسف الحزن ، وحالة الحزين غالبا الرقة ، والأسيف في غير هذا : العبد ، والأسيف أيضا : الغضبان .

                                                                                              وقول أبي بكر لعمر " صل بالناس " بعد أن أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة دليل على أن للمستخلف أن يستخلف .

                                                                                              [ ص: 51 ] وقوله “ يهادى بين رجلين " ، التهادي : هو المشي الثقيل مع التمايل يمينا وشمالا .

                                                                                              واختلف العلماء فيمن كان الإمام ; هل النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أبو بكر ؟ وسببه اختلاف الأحاديث المروية في ذلك ; ففي حديث عائشة ما ينص على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان الإمام وأن أبا بكر كان يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر . وروى الترمذي عن جابر أن آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر ، وصححه . وكذلك اختلفت الروايات ; هل قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يسار أبي بكر أو عن يمينه ؟ وليس في الصحيح ذكر لأحدهما ، وقد ذهب بعض المتأخرين إلى الجمع بين الحديثين بأن ذلك كان في صلاتين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إماما في إحداهما مأموما في الأخرى ، وهو محتمل لو كان هناك نقل يعضده . وحديث سهل بن سعد حجة في الاستخلاف وجوازه ، وهو أصل في الباب ، وهو دليل على داود والشافعي في منعه الاستخلاف ، وعلى أن الصلاة تصح بإمامين بغير عذر ، وأجازها الطبري والبخاري وبعض الشافعية استدلالا بهذا الحديث .

                                                                                              واستئذانه - صلى الله عليه وسلم - نساءه أن يمرض في بيت عائشة تطييب لنفوسهن ، واختلف في الزوج المريض إذا لم يقدر على الدوران على نسائه ; هل اختصاصه بكونه عند واحدة منهن راجع إلى اختياره أو هو حق لهن فيقرع بينهن في ذلك ؟ فيه خلاف .

                                                                                              وقوله " إنكن لأنتن صواحب يوسف " ; يعني في تردادهن وتظاهرهن [ ص: 52 ] بالإغواء والإلحاح حتى يصلن إلى أغراضهن ، كتظاهر امرأة العزيز ونسائها على يوسف ليصرفنه عن رأيه في الاستعصام . وصواحبات : جمع صواحب ، وهو جمع شاذ .




                                                                                              الخدمات العلمية