الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              843 [ 433 ] وعن أبي الدرداء قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ، ثم قال : ألعنك بلعنة الله . ثلاثا ، وبسط يده كأنه يتناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله ! قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك . قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ، فقلت : أعوذ بالله منك - ثلاث مرات - ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر ثلاث مرات ، ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان المدينة .

                                                                                              رواه مسلم (542)، والنسائي (2 \ 13) .

                                                                                              [ ص: 149 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 149 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : أعوذ بالله منك ; أي : أستتر وألتجئ في كفايته إياي منك . ومنه سمي العود الذي يلجأ إليه الغثاء في السيل : عوذا ; لأن الغثاء يلجأ إليه .

                                                                                              وقوله : ألعنك بلعنة الله التامة ، أصل اللعن : الطرد والبعد ، ومعناه : أسأل الله أن يلعنه بلعنته .

                                                                                              والتامة يحتمل وجهين :

                                                                                              أحدهما : أنها الكاملة التي لا ينقص منها شيء .

                                                                                              والثاني : المستحقة الواجبة ، كما قال : وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا [ الأنعام : 115 ] ; أي : حقت ووجبت ، ولم يقصد مخاطبة الشيطان ; لأنه كان يكون متكلما في الصلاة ، وإنما كان متعوذا بالله ; كما قال : أعوذ بالله منك .

                                                                                              قوله : ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان المدينة . يدل على أن ملك الجن والتصرف فيهم بالقهر مما خص به سليمان ، وسبب خصوصيته : دعوته التي استجيبت له ، حيث قال : وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب [ ص : 35 ] [ ص: 150 ] ولما تحقق النبي - صلى الله عليه وسلم - الخصوصية ، امتنع من تعاطي ما هم به من أخذ الجني وربطه . فإن قيل : كيف يتأتى ربطه وأخذه واللعب به ، مع كون الجن أجساما لطيفة روحانية ؟ قلنا : كما تأتى ذلك لسليمان - عليه السلام - ; حيث جعل الله له منهم كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد [ ص : 37 و 38 ] ولا شك أن الله تعالى أوجدهم على صور تخصهم ، ثم مكنهم من التشكل في صور مختلفة ، فيتمثلون في أي صورة شاؤوا ، أو شاء الله ، وكذلك فعل الله بالملائكة كما قال تعالى : فتمثل لها بشرا سويا [ مريم : 17 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : . وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني ، فيجوز أن يمكن الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - من هذا الجني ، مع بقاء الجني على صورته التي خلق عليها ، فيوثقه كما كان سليمان - عليه السلام - يوثقهم ، ويرفع الموانع عن أبصار الناس ، فيرونه موثقا حتى يلعب به الغلمان . ويجوز أن يشكله الله تعالى في صورة جسمية محسوسة ، فيربطه ويلعب به ، ثم يمنعه من الزوال عن تلك الصورة التي تشكل فيها ، حتى يفعل الله ما هم به النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي هذا دليل على رؤية بني آدم الجن . وقوله تعالى : إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم [ الأعراف : 27 ] ; إخبار عن غالب أحوال بني آدم معهم ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية