الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              856 [ 441 ] وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه ، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ، ولكن عن شماله تحت قدمه .

                                                                                              رواه البخاري (405 و 417)، ومسلم (551)، والنسائي (1 \ 163 و 52 - 53)، وابن ماجه (1024) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : فحكها بحصاة . زاد أبو داود فيه : ثم أقبل على الناس مغضبا ، وهذا يدل على تحريم البصاق في جدار القبلة ، وعلى أنه لا يتكفر بدفنه ، ولا بحكه ، كما قال في حلة المسجد : البصاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنها ، فلو يكفر البزاق في القبلة بالحك لما غضب ; إذ قد كان تكفي الكفارة في ذلك - وهي الحك - ، كما اكتفى بها في حديث الأعرابي الذي وطئ في نهار رمضان ، ولم يذمه ولا غضب عليه . وقد ظهرت خصوصية جهة القبلة حيث نزلها منزلة الرب تعالى ، كما تقرر ، وظهر أيضا التخفيف في ساحة المسجد ; كما قد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه خيمة لسعد بن معاذ بعدما رمي في أكحله ، فكان الدم يسيل من خيمته إلى جهة الغفاريين ، هذا مع ما قيل : إن هذا كان لضرورة داعية إلى ذلك .

                                                                                              وقد ذكر مسلم في حديث جابر الطويل : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل مكان النخامة عنبرا . وروى النسائي الحديث الأول من طريق أنس ، فقال : غضب حتى احمر وجهه ، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها ، وجعلت مكانها خلوقا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أحسن هذا ! . ويصح الجمع بين هذه الأحاديث بأن يقال : كان ذلك في أوقات مختلفة : ففي وقت حكها - صلى الله عليه وسلم - وطيبها بيده ، ومرة أخرى فعلت هذه المرأة ما ذكر . ويمكن أن يقال : نسب الحك والطيب للنبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث الأمر به ، والمرأة من حيث المباشرة .

                                                                                              [ ص: 159 ] وفي هذا الحديث : استحباب أو جواز تطييب المساجد بالطيب ، وتنظيفها ; كما نص عليه أبو داود من حديث عائشة : أمر ببناء المساجد في الدور ، أن تطيب وتنظف . ومن حديث سمرة : ونصلح صنعتها .

                                                                                              ونهيه عن البصاق عن يمينه دليل : على احترام تلك الجهة ، وقد ظهر منه تأثير ذلك ، حيث كان يحب التيمن في شأنه كله ، وحيث كان يبدأ بالميامن في الوضوء والأعمال الدينية ، وحيث كان يعد يمينه لحوائجه ، وشماله لما كان من أذى . وقد علل ذلك في حديث أبي داود حيث قال : والملك عن يمينه ، بل وفي البخاري : عن يمينه ملكا . ويقال على هذا : إن صح هذا التعليل لزم عليه أن لا يبصق عن يساره ; فإن عليه أيضا ملكا ; بدليل قوله تعالى : عن اليمين وعن الشمال [ ق : 17 ] والجواب بعد تسليم أن على شماله ملكا : أن ملك اليمين أعلى وأفضل ، فاحترم بما لم يحترم غيره من نوعه ، والله تعالى أعلم . وهذا النهي مع التمكن من البصاق في غير جهة اليمين ، فلو اضطر إلى ذلك جاز .

                                                                                              وقوله : أو تحت قدمه بإثبات أو ، وفي الآخر : عن شماله تحت قدمه [ ص: 160 ] بغير أو ، هكذا الرواية . وظاهر : أو : الإباحة والتخيير ، ففي أيهما بصق لم يكن به بأس ، وإليه يرجع معنى قوله : عن شماله تحت قدمه ، فقد سمعنا من بعض مشايخنا : أن ذلك إنما يجوز إذا لم يكن في المسجد إلا التراب أو الرمل ، كما كانت مساجدهم في الصدر الأول ، فأما إذا كان في المسجد بسط ، وما له بال من الحصر مما يفسده البصاق ويقذره ، فلا يجوز احتراما للمالية ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية