الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل ، يجوز نسخ التلاوة ) أي تلاوة كلمات القرآن ( دون الحكم ) الذي دلت عليه الكلمات المنسوخة ( وعكسه ) أي نسخ الحكم دون التلاوة ، خلافا للمعتزلة في الصورتين ( وهما ) أي التلاوة والحكم معا قال ابن مفلح : ولم تخالف المعتزلة في نسخهما معا ، خلافا لما حكاه الآمدي عنهم . ا هـ . وأما نسخ جميع القرآن : فممتنع بالإجماع ; لأنه معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المستمرة على التأبيد ، قال بعض المفسرين في قوله تعالى { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } أي لا يأتيه ما يبطله ، ثم في كيفية وقوع النسخ في بعضه ثلاثة أنواع : ما نسخت تلاوته ، وحكمه باق ، وما نسخ حكمه فقط ، وتلاوته باقية ، وما جمع فيه نسخ التلاوة والحكم .

مثال الأول : ما رواه مالك والشافعي وابن ماجه { عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، أو يقول قائل : لا نجد حدين في كتاب الله ; فلقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ورجمنا ] والذي نفسي بيده ، لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله ، لأثبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة فإنا قد قرأناها } وفي الصحيحين { عن عمر أنه قال كان فيما أنزل : آية الرجم ، فقرأناها [ ووعيناها ] وعقلناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا بعده } قال ابن عقيل في الواضح في قوله " الشيخ والشيخة " المحصنان حدهما الرجم بالإجماع .

وقد تابع عمر جمع من الصحابة على ذلك ، كأبي ذر ، فيما رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه وفي رواية أحمد وابن حبان " أنها كانت في سورة الأحزاب " [ ص: 471 ] والمراد : بما قضيا من اللذة فهذا الحكم فيه باق ، واللفظ مرتفع ، لرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية واليهوديين . ومثال الثاني - وهو ما نسخ حكمه وبقي لفظه ، عكس الذي قبله - آية المناجاة والصدقة بين يديها ، ولم يعمل بهذه الآية إلا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ففي الترمذي : عنه { أنها لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى ، دينارا ؟ قال : لا يطيقونه ، قال : نصف دينار ؟ قال : لا يطيقونه ، قال ما ترى ؟ قال شعيرة : قال له النبي صلى الله عليه وسلم : إنك لزهيد قال علي : حتى خفف الله تعالى عن هذه الأمة بترك الصدقة } ومعنى قوله " شعيرة " أي [ وزن شعيرة ] من ذهب وروى البزار عن عبد الرزاق عن مجاهد قال : قال علي " ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت " وأحسبه قال " وما كانت إلا ساعة من نهار " .

ومثال آخر لهذا القسم : الاعتداد في الوفاة بالحول ، نسخ بقوله تعالى { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } على ما ذهب إليه جمهور المفسرين . ومثال الثالث - وهو ما نسخ لفظه وحكمه معا : - ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها " كان مما أنزل [ من القرآن ] " عشر رضعات معلومات محرمات " فنسخت بخمس معلومات " فلم يبق لهذا اللفظ حكم القرآن ، لا في الاستدلال ولا في غيره . فلذلك كان الصحيح عندنا جواز مس المحدث ما نسخ لفظه ، سواء نسخ حكمه أو لا .

ووجه ابن عقيل المنع لبقاء حرمته ، كبيت المقدس نسخ كونه قبلة ، وحرمته باقية . والجواز لعدم حرمة كتبه في المصحف . ووجه الجواز في الكل : أن التلاوة حكم ، وما تعلق بها من الأحكام : حكم آخر ، فجاز نسخهما ، ونسخ أحدهما كغيرهما . وقال المانعون : التلاوة مع حكمها متلازمان ، كالعلم مع العالمية ، والحركة مع التحريكية ، والمنطوق مع المفهوم ، رد ذلك بأن العلم هو العالمية والحركة هي التحريكية ومنع أن المنطوق لا ينفك عن المفهوم سلمنا المغايرة ، وأن المنطوق لا ينفك ، فالتلاوة أمارة الحكم ابتداء لا دواما ، فلا يلزم من نفيها نفيه ، وبالعكس .

قالوا : بقاء التلاوة يوهم بقاء الحكم ، فيؤدي إلى التجهيل ، وإبطال فائدة القرآن . رد ذلك بأنه مبني على التحسين العقلي ثم لا جهل [ ص: 472 ] مع الدليل للمجتهد . وفرض المقلد التقليد ، والفائدة الإعجاز وصحة الصلاة به .

التالي السابق


الخدمات العلمية